للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَا ترَى أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالَت يدُه في الصَّحفَةِ يتَّبَّعُ الدُّبّاء؟ فكذلك الرُّؤساء، ولمّا كان في الصَّحفَةِ نوعان، وهما اللَّحمُ والدُّبّاء، حَسُن بالآكلِ أن تَجُولَ يدُه فيما اشتهَى من ذلك، بدليلِ هذا الحديث، ولا يجوزُ ذلك على غيرِ هذين الوجهين؛ لقولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمرَ بنِ أبي سلَمة: "سمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيمينِكَ، وكُلْ مما يلِيكَ" (١). وإنّما أمَره أن يأكُلَ مما يليه؛ لأنَّ الطَّعامَ كان كلُّه نوعًا واحدًا، واللَّهُ أعلم. كذلك فسَّره أهلُ العلم.

وفيه أيضًا ما كان القومُ عليه من شَظَفِ العيشِ في أكلِ الشَّعيرِ وما أشبَهَه، وما كانوا عليه من المُواساةِ وإطعام الطعام مع ما كانوا فيه من هذه الحال، وقد رُوِيَ أنَّهم كانوا يُكثِّرون طعامَهم بالدُّبّاء.

ذكر الحميديُّ (٢)، عن سفيانَ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ أبي خالد، عن حكيم بنِ جابرٍ الأحْمَسيِّ، عن أبيه، قال: دخَلتُ على النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرأيتُ عندَه الدُّبّاءَ فقلتُ: ما هذا؟ فقال: "نُكَثِّرُ به طعامَنا".

ومن صريح الإيمانِ حُبُّ ما كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحبُّه، واتِّباعُ ما كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَفعَلُه، -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ أَلَا ترَى إلى قولِ أنس: فلم أزَلْ أُحبُّ الدُّبّاءَ بعدَ ذلك اليوم.


(١) أخرجه أحمد في المسند ٢٦/ ٢٥٢ (١٦٣٣٢)، والبخاري (٥٣٧٦)، ومسلم (٢٠٢٢)، وابن ماجة (٣٢٦٧)، والنسائيّ في الكبرى ٦/ ٢٦٣ (٦٧٢٦) من حديث وهب بن كيسان، عن عمر بن أبي سلمة، به.
(٢) في مسنده (٨٦٠)، ومن طريقه ابن قانع في معجم الصحابة ١/ ١٣٧، والطبراني في الكبير ٢/ ٢٥٨ (٢٠٨١)، بلفظ: "نُكثِّر به طعام أهلنا".
وأخرجه أحمد في المسند ٣١/ ٤٤٧ (١٩١٠٠) عن سفيان بن عيينة، به.
وأخرجه الترمذي في الشمائل (١٦٣)، وابن ماجة (٣٣٠٤)، والنسائي في الكبرى ٦/ ٢٣١ (٦٦٣١) من طريق إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي، به. إسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>