للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا أيضًا ما يدُلُّ على أنَّ ما كان مَكِيلًا بالمدينة، مما ورَد فيه الخبرُ بتحريم التَّفاضُل، لا يجوزُ فيه إلّا الكَيلُ، وقياسُ ذلك أنَّ ما كان موزونًا عندَهم، فالتَّفاضلُ في بعضِه ببعضٍ مُحرَّمٌ، لا يجوزُ فيه إلّا الوَزنُ، واللَّهُ أعلم.

وفي هذا الحديثِ فضلٌ بيِّن للمدينة، وقد عارَضه بعضُ من يفضِّلُ مكةَ بما ذكَره البخاريُّ، قال (١): حدَّثنا عليُّ بنُ المدينيّ، قال: حدَّثنا أزهرُ بنُ سعدٍ السَّمانُ، عن ابنِ عَوْن، عن نافع، عن ابنِ عُمر، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنّه قال: "اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في شامِنا، اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في يمَنِنا". قالوا: وفي نَجْدِنا يا رسولَ اللَّه. قال: "اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في شامِنا، اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في يمَنِنا". قالوا: يا رسولَ اللَّه، وفي نَجْدِنا. فأظنُّه قال في الثالثة: "هُنالِكَ الزَّلازلُ والفِتنُ، وبها يَطلُعُ قَرنُ الشيطان".

قال أبو عُمر: دُعاؤُه -صلى اللَّه عليه وسلم- للشَّام، يعني لأهْلِها، كتَوْقيتِه لأهلِ الشَّام الجُحْفَة، ولأهلِ اليمنِ يلَمْلمَ، عِلْمًا منه بأنَّ الشامَ سينتَقِلُ إليها الإسلامُ، وكذلك وقَّتَ لأهلِ نجدٍ قَرْنًا، يعني عِلْمًا منه بأنَّ العِراقَ ستكونُ كذلك، وهذا من أعلام نُبوَّتِه -صلى اللَّه عليه وسلم-.


= وقال ابن أبي حاتم الرازي عن أبيه: "أخطأ أبو نعيم في هذا الحديث، والصحيح عن ابن عباس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: قال لي أبو أحمد الزبيري: أخطأ أبو نعيم فيما قال: عن ابن عمر" (علل الحديث ١١١٥).
وقال البزار: "هذا الحديث لا نعلم أحدًا يرويه إلا حنظلة عن طاووس، ولا نعلم رواه إلا الثوري، وقال الفريابي: عن الثوري، عن حنظلة، عن طاووس، عن ابن عمر. وهذا الحديث رواه حنظلة عن طاووس، وحنظلة ثقة، ولم يروه عن حنظلة إلا الثوري، واختلفوا على الثوري، فقال أبو أحمد: عن الثوري، عن حنظلة، عن طاووس، عن ابن عباس" (مسنده ٤٨٥٤).
على أنَّ إمام المعللين الدارقطني رجّح الرواية عن ابن عمر بعد أن بيّن الاختلاف فيه (العلل ٢٩٩٩)، واللَّه الموفق للصواب.
(١) في صحيحه (٧٠٩٤). ابن عون: هو عبد اللَّه بن عون بن أرطبان البصري، ونافع: هو مولى عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>