للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر (١): هذا من أثبَتِ ما يُروَى من الحديثِ وأحسنِه اتِّصالًا (٢)، وكذلك سائرُ حديثِ إسحاقَ عن أنس.

قال أبو عُمر: احتجَّ بعضُ أصحابِنا بهذا الحديثِ في جوازِ شهادةِ الأعمَى على الصوت، وقال: لم يَمنَعْ أبا طلحةَ ضعفُ صوتِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن تمييزِه؛ لعلمِه به، فكذلك الأعمَى إذا عرَف الصوت.

وعارَضه بعضُ مَن لا يرَى شهادةَ الأعمَى جائزةً على الكلام، بأنَّ أبا طلحةَ قد تغيَّر عندَه صوتُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع عِلْمِه بصوتِه، ولولا رُؤيتُه له لاشتبَهَ عليه في حينِ سماعِه منه وما عرَفَه. والتَّشغيبُ في هذه المسألةِ طويلٌ.

وفي هذا الحديث: ما كان عليه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابُه من ضِيْقِ الحال، وشَظَفِ العيش، وأنّه كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يجوعُ حتى يَبلُغَ به الجوعُ والجَهْدُ إلى ضعفِ الصوت، وهو غيرُ صائم.

وفيه أنَّ الطعامَ الذي لمثلِه يُدعَى الضَّيفُ، ولا يُدعَى إلّا لأرفع ما يُقدَرُ عليه، كان عندَهم الشعيرَ، وقد كان أكثرَ طعامِهم التمرُ في أوِّلِ الإسلام، وكان يمرُّ بهم الشهرُ والشهرانِ ما تُوقَدُ في بيتِ أحدِهم نارٌ، وذلك محفوظٌ معناه من حديثِ عائشةَ (٣) وغيرِها.

وفيه قَبولُ مُواساةِ الصديقِ وأكلُ طعامِه، وأنَّ ذلك ليسَ بصدقةٍ، وإنّما كان صلةً وهديّةً، ولو كان صَدَقةً ما أكَله رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.


(١) هذه لم ترد في الأصل، وهي ثابتة في ق، ف ١.
(٢) وهو في الصحيحين من عدّة وجوه عن مالك. به؛ البخاري (٤٢٢) و (٣٥٧٨) و (٣٥٨١) و (٦٦٨٨)، ومسلم (٢٠٤٠).
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٤٣/ ١٨٩ (٢٦٠٧٧)، والبخاري (٢٥٦٧) و (٦٤٥٨) و (٦٤٥٩)، ومسلم (٢٩٧٢) من حديث عروة بن الزُّبير، عنها رضي اللَّه عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>