الرَّأي والأثرِ، وكَفَى بذلك حُجّةً، مع ثُبُوتِهِ من جِهةِ نَقلِ الآحادِ العُدُولِ، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
وقد مَضَى القولُ في تحرِيم النَّسِيئةِ في الصَّرفِ، في بابِ ابنِ شِهاب، عن مالكِ بن أوَسِ بن الحَدَثانِ، من هذا الكِتابِ مُجوَّدًا أيضًا مُمهَّدًا، وفي ذلك البابِ أُصُولٌ من هذا البابِ.
ولا خِلافَ بينِ عُلماءِ المُسلِمِينَ في تحرِيم النَّسِيئةِ في بَيع الذَّهبِ بالذَّهبِ، والوَرِقِ بالورِقِ، وبَيع الورِقِ بالذَّهبِ، والذَّهبِ بالورِقِ، فإنَّ الصَّرفَ كلَّهُ لا يجُوزُ إلّا هاءَ وهاءَ، قبلَ الافتِراقِ.
هذه جُملةٌ اجتمَعُوا عليها، وثبتَ قولُهُ -صلى الله عليه وسلم- في ذلك:"إلّا هاءَ وهاءَ"(١) بنقلِ الآحادِ العُدُولِ أيضًا.
وما أجمَعُوا عليه من ذلك وغيرِهِ، فهُو الحقُّ، وكذلك كلُّ ما كان في معناهُ، ما لم يُخرِجهُ عن ذلك الأصلِ دَليلٌ يجِبُ التَّسلِيمُ لهُ، فقدِ اختَلفُوا من هذا الأصْلِ في المسائلِ التي أوردناها في هذا البابِ، على حَسَبِ ما ذكَرْناهُ عنهُم فيه، مِمّا نَزعُوا به، وذهَبُوا إليه، وبالله العِصْمةُ والتَّوفيقُ.
قال أبو عُمر: حديثُ ابنِ عُمر في اقتِضاءِ الدَّنانيرِ من الدَّراهِم، والدَّراهِم من الدَّنانيرِ، جَعلَهُ قومٌ مُعارِضًا لحديثِ أبي سعِيدٍ الخُدرِيِّ في هذا البابِ، لقولِه:"ولا تَبِيعُوا منها غائبًا بناجِزٍ". وليسَ الحديثانِ مُتَعارِضَيْنِ عندَ أكثرِ الفُقهاءِ، لأنَّهُ مُمكِنٌ استِعمالُ كلِّ واحِدٍ منهُما، وحديثُ ابنِ عُمرَ مُفسَّرٌ، وحديثُ أبي سعِيدٍ الخُدرِيِّ مُجمَلٌ، فصارَ مَعناهُ: لا تَبِيعُوا منها غائبًا، ليسَ في ذِمّةٍ بناجِزٍ، وإذا حُمِلا على هذا، لم يتعارَضا.
(١) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ١٦٢ - ١٦٣ (١٨٥٦) من حديث عُمر.