ضَعْفٌ. فدَعاهُ نبيُّ اللَّه فنَهاهُ عنِ البَيْع، فقال: يا نبيَّ اللَّه، إنِّي لا أصبِرُ على البَيْع. فقال رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن كُنتَ غيرَ تارِكٍ للبيع، فقُل: هاءَ وهاءَ، ولا خِلابةَ".
واختلَفَ العُلماءُ في معنى أحاديثِ هذا البابِ، فقال منهُم قائلُونَ: هذا خُصُوصٌ في ذلك الرَّجُلِ وحدَهُ بعينِهِ، جعلَ لهُ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الخيارَ في كلِّ سِلْعةٍ يَشْتريها، شرَطَ ذلك، أو لم يَشْترِطهُ، خصهُ بذلك لضَعفِهِ، ولِما شاءَ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يُجِزْ لأحَدٍ خِلابتُهُ وخَدِيعتُهُ، وإن كان -صلى اللَّه عليه وسلم- قد قال:"دَعُوا النّاسَ يرزُقُ اللَّهُ بعضَهُم من بعضٍ"(١). فخُصَّ هذا بأن لا يُخدَعَ، فيُؤخَذ منهُ في السِّلعةِ أكثرُ مِمّا تُساوي.
وأمّا الخَدِيعةُ والخِلابةُ التي فيها الغِشُّ، وسترُ العُيُوبِ، فمَحظُورةٌ على النّاسِ كلِّهِم، ولكِنَّ البيعَ صحيحٌ فيها، وللمُشتري إذا اطَّلعَ على العَيْبِ الخيارُ، في الاستِمساكِ أوِ الرَّدِّ، على حسبِ السُّنّةِ في ذلك، مِمّا نُقِل عنهُ في قِصّةِ المُصرّاةِ وغيرِها.
وقال آخرُونَ: كلُّ ما جعلَ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمُنقِذٍ من الخيارِ فيما اشْتَراهُ، وما جعلَ لهُ في أن لا يُخدَعَ شرطًا يَشْترِطُهُ بقولِهِ: لا خِلابةَ. فجائزٌ اشْتِراطُهُ اليومَ لكلِّ النّاسِ، فلو أنَّ رجُلًا شَرَطَ على بائعِهِ: أَنَّهُ بالخيارِ فيما ابْتاعهُ منهُ ثلاثًا، وقال لهُ: إنَّكَ متى ما خَدَعتني في هذه السِّلعةِ، وبانَتْ خَدِيعتُكَ لي فيها، فأنا بالخيارِ ثلاثةَ أيام، إن شِئتُ أمسَكتُ، وإن شِئتُ ردَدتُ. كان لهُ شرطُهُ، وذلك جائزٌ، ولهُ الخيارُ على حَسَبِ ما اشترطَ.
وأمّا القولُ في اشْتِراطِ الخيارِ ثلاثًا، وما فوقها، ودُونها من المُدّةِ، فقد مَضَى مُسْتوعبًا في بابِ نافع، عنِ ابنِ عُمرَ، من كِتابِنا هذا، فلا وجَهَ لإعادةِ ذلك هاهُنا.
(١) أخرجه الشافعي في مسنده، ص ١٧٣، والحميدي (١٧٢٠)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (٢١٢٨٨)، ومسلم (١٥٢٢)، وابن ماجة (٢١٧٦)، والترمذي (١٢٢٣)، والنسائي في المجتبى ٧/ ٢٥٦، وفي الكبرى ٦/ ١٩ (٦٠٤٢)، وابن الجارود في المنتقى (٥٧٤)، وأبو يعلى (١٨٣٩)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ١١، وابن حبان ١١/ ٣٣٥ - ٣٣٨ (٤٩٦٠، ٤٩٦٣، ٤٩٦٤) من حديث جابر. وانظر: المسند الجامع ٤/ ١٤٥ - ١٤٦ (٢٥٧٤).