وكذلك أكثرُ الفِتنِ من المَشرِقِ انْبَعثَتْ، وبها كانت، نحو الجَملِ، وصِفِّينِ، وقتلِ الحُسينِ، وغيرِ ذلك مِمّا يَطُولُ ذِكرهُ، مِمّا كان بعدَ ذلك من الفِتَنِ بالعِراقِ وخُراسانَ إلى اليوم، وقد كانتِ الفِتنُ في كلِّ ناحيةٍ من نَواحي الإسلام، ولكِنَّها بالمشرِقِ أكثرُ أبدًا.
ومثلُ هذا الحديثِ قولُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنِّي أرَى مَواقِعَ الفِتَنِ خِلالَ بُيُوتِكُمْ، كمَواقِع القَطْرِ"(١).
وقد يحتمِلُ أن تكونَ الفِتنةُ في هذا الحديثِ معناها الكُفرُ، وكانَتِ المشرِقُ يَومئذٍ دارَ كُفرٍ، فأشارَ إليها.
والفِتنةُ لها وُجُوهٌ في اللُّغةِ، منها: العذابُ، ومنها: الإحْراقُ، ومنها: الحُرُوبُ التي تَقعُ بين النّاسِ، ومنها: الابتِلاءُ والامتِحانُ، وغيرُ ذلك على حَسَبِ ما قد ذَكرهُ أهلُ اللُّغةِ.
وأمّا قولُهُ:"من حيثُ يطلُعُ قَرْنُ الشَّيطانِ" فقد مَضَى القولُ فيه، في بابِ زيدِ بن أسلمَ، عن عَطاءِ بن يَسارٍ، عنِ الصُّنابِحيِّ، من كِتابِنا هذا، فلا وجهَ لإعادةِ ذلك هاهُنا.
(١) أخرجه الحميدي (٥٤٢)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (٣٨٢٨٢)، وأحمد في مسنده ٣٦/ ٧٨ (٢١٧٤٨)، والبخاري (١٨٧٨، ٢٤٦٧، ٣٥٩٧، ٧٠٦٠)، ومسلم (٢٨٨٥)، والبزار في مسنده ٧/ ١٩ (٢٥٦٥)، والبيهقي في الدلائل ٦/ ٤٠٥ (٢٨٧٢) من حديث أسامة بن زيد، به. وانظر: المسند الجامع ١/ ١٣٩ - ١٤٠ (١٥٩).