للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومِثلُ هذا كثيرٌ من الآثارِ التي وردَتْ بلفظِ التَّغليظِ، وليسَتْ على ظاهِرِها عندَ أهلِ الحقِّ والعِلم، لأُصُولٍ تَدْفعُها أقْوَى منها، من الكِتابِ والسُّنّةِ المُجتمَع عليها، والآثارِ الثّابِتةِ أيضًا من جِهةِ الإسنادِ، وهذا (١) بابٌ يتَّسِعُ القولُ فيه ويَكثُرُ، فنَذكُرُ منهُ هاهُنا ما فيه كِفايةٌ إن شاءَ اللَّه (٢).

وقد ضلَّت جماعةٌ من أهلِ البِدَع من الخَوارِج والمُعتزِلةِ في هذا البابِ، فاحتجُّوا بهذه الآثارِ ومِثلِها في تَكفيرِ المُذنِبينَ، واحتجُّوا من كِتاب اللَّه بآياتٍ ليسَتْ على ظاهِرِها، مِثل قولِهِ عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ لم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤]، وقولِهِ: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: ٢]، وقولِهِ: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: ٣٢]، وقولِهِ: {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الزخرف: ٢٠]، وقولِهِ: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٤]، ونَحوِ هذا.

ورُوي عنِ ابنِ عبّاسٍ في قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ لم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤]، قال: ليسَ بكُفرٍ ينقُلُ عنِ المِلّةِ، ولكِنَّهُ كفرٌ دُونَ كُفرٍ (٣).

وقد أوضَحْنا معنَى الكُفرِ في اللُّغةِ، في مواضِعَ من هذا الكِتابِ، والحُجّةُ (٤) عليهم قولُ اللَّه عزَّ وجلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}


(١) في ي ١: "الآحاد وهو" بدل: "الإسناد وهذا".
(٢) من قوله: "فنذكر منه" إلى هنا، جاء مكانه في ي ١: "وله موضع غير هذا نبسطه فيه ونوضحه إن شاء اللَّه تعالى، ونذكر هاهنا منه نكتًا كافية، ولمعًا دالة بعون اللَّه لا شريك له".
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره ١٠/ ٣٥٥ - ٣٥٦ (١٢٠٥٣، ١٢٠٥٤)، والحاكم في المستدرك ٢/ ٣١٣، والبيهقي في الكبرى ٨/ ٢٠.
(٤) من قوله: "وروي عن ابن عباس" إلى هنا لم يرد في ي ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>