للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رُوي ذلك عن جابرٍ من وُجُوهٍ.

ومِن حديثِ الأعمشِ، عن أبي سُفيانَ قال: قلتُ لجابرٍ: أكنتُم تقولُونَ لأحَدٍ من أهلِ القِبْلةِ: كافِرٌ؟ قال: لا. قلتُ: فمُشرِكٌ؟ قال: مَعاذَ اللَّه. وفَزِعَ (١).

وقد قال جَماعةٌ من أهلِ العِلم، في قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات: ١١]، هُو قولُ الرَّجُلِ لأخيهِ: يا كافِرُ، يا فاسِقُ.

وهذا مُوافِقٌ لهذا الحديثِ، فالقُرآنُ والسُّنّةُ (٢) يَنْهيانِ عن تَفْسيقِ المُسلِم وتكفير، إلّا (٣) ببيانٍ لا إشكالَ فيه.

ومِن جِهةِ النَّظرِ الصَّحيح، الذي لا مَدْفَعَ لهُ: أنَّ كلَّ من ثبتَ لهُ عَقْدُ الإسلام في وَقْتٍ بإجماع من المُسلِمينَ، ثُمَّ أذنَبَ ذنبًا، أو تأوَّلَ تأويلًا، فاختلَفُوا بعدُ في خُرُوجِهِ من الإسلام، لم يكُن لاختِلافِهِم بعدَ إجماعِهِم معنًى يُوجِبُ حُجّةً، ولا يُخرَجُ من الإسلام المُتَّفقِ عليه، إلّا باتِّفاقٍ آخرَ، أو سُنّةٍ ثابتةٍ لا مُعارِضَ لها (٤).

وقدِ اتَّفقَ أهلُ السُّنّةِ والجَماعةِ، وهُم أهلُ الفِقهِ والأثَرِ، على أنَّ أحدًا لا يُخرِجُهُ ذنبُهُ، وإن عَظُمَ، من الإسلام. وخالَفهُم أهلُ البِدَع، فالواجِبُ في النَّظرِ، أن لا يُكفَّر إلّا منِ اتَّفقَ الجميعُ على تَكفيرِهِ، أو قامَ على تَكفيرِهِ دليلٌ لا مَدْفعَ لهُ، من كِتابٍ أو سُنّةٍ.

وأمّا قولُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فقد باءَ بها"، أي: قدِ احتمَلَ الذَّنبَ في ذلك القولِ أحَدُهُما.


(١) أخرجه أبو يعلى (٢٣١٧)، والطبراني في الأوسط (٧٣٥٤) من طريق الأعمش به.
(٢) في ي ١: "والحديث".
(٣) هذا الحرف سقط من الأصل، م.
(٤) من قوله: "أو سنة" إلى هنا لم يرد في ي ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>