للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من نارٍ، فيَجْعلُها في يدِهِ". فقيل للرَّجُلِ بعدَما ذهَبَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: خُذ خاتمكَ فانْتَفِعْ به. فقال: لا واللَّه لا آخُذُهُ أبدًا وقد طَرَحهُ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (١).

قال أبو عُمر: هذا كلُّهُ في الرِّجالِ دُونَ النِّساءِ.

ولا خِلافَ أنَّ لباسَ الحريرِ والذَّهبِ للنِّساءِ حَلالٌ، وقد مَضَى فيما تَقدَّم من كِتابِنا هذا قولُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- في لُبسِ الحَريرِ والذَّهَبِ: "هذانِ حَلالانِ لإناثِ أُمَّتي، حرامٌ على ذُكُورِها" (٢). ومَضَى هُنالك في هذا المعنى ما فيه كِفايةٌ، في بابِ نافع من كِتابِنا هذا، فلا معنى لإعادةِ ذلك هاهُنا.

وأمّا نَبْذُ رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتمَهُ، ونبذُ النّاسِ لخواتِمِهِم، فكذلك يَلْزمُهُمُ اقتِداءً برسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا أمرٌ واضِحٌ.

ويحتمِلُ أن يكونَ نَبذُهُ لهُ، طرحَهُ لهُ عن يَدِهِ، وكذلك طَرْحُ النّاسِ لخواتِمِهِم عن أيدِيهِم، تركُهُم للُبسِها واستِعمالهِا، لمّا نُهُوا عن ذلك.

ومِمّا يدُلُّ على صِحّةِ هذا التَّأويلِ، نَهْيُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إضاعةِ المالِ (٣). والذَّهَبُ مالٌ، فجائزٌ سَبْكُهُ وبيعُهُ من النِّساءِ اللَّواتي يجُوزُ لهُنَّ اتِّخاذُهُ، وإنَّما حُرِّمَ على الرَّجُلِ حبسُهُ في أُصبُعِهِ تزيُّنًا به، دُونَ سائرِ تملُّكِهِ، وإن كان -صلى اللَّه عليه وسلم- رَمَى به، فيجُوزُ أن يكونَ كان ذلك منهُ أوَّلًا، ثُمَّ نَهَى بعدَ ذلك عن إضاعةِ المالِ؛ لأنَّهُ أمرٌ لا خِلافَ فيه، وباللَّه التَّوفيقُ.


(١) أخرجه مسلم (٢٠٩٠)، والبزار في مسنده ١١/ ٣٩١ (٥٢٢٨)، وأبو عوانة (٨٦١٠)، والطبراني في الكبير ١١/ ٤١٤ (١٢١٧٥)، والبيهقي في الكبرى ٢/ ٤٢٤، من طريق محمد بن جعفر، به. وانظر: المسند الجامع ٩/ ٣٢٠ (٦٦٦٦). ووقع عند البزار: "عن موسى بن عقبة" بدل: "إبراهيم بن عقبة".
(٢) سلف بإسناده في شرح الحديث السادس والثلاثين لنافع، وهو في الموطأ ٢/ ٥٠٤ (٢٦٦٣)، وانظر تخريجه في هناك.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٨٩ (٢٨٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>