للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: حدَّثنا جعفرُ بنُ محمدٍ الفريابِيُّ، قال: حدَّثنا دحيمٌ (١)، قال: حدَّثنا الوليدُ، عن الأوزاعيِّ، عن الزُّهريِّ، في الغدِيرِ تقَعُ فيه الدَّابَّةُ فتموتُ، قال: الماءُ طَهُورٌ ما لم تُنجِّسِ المَيتةُ طَعمَه أو رِيحَه (٢).

وأمَّا ما ذهَب إليه الشَّافعيُّ مِن حديثِ القُلَّتينِ، فمَذهَبٌ ضعيفٌ مِن جِهَةِ النَّظَرِ، غيرُ ثابتٍ في الأثرِ؛ لأنَّه حديث قد تكلَّمَ فيه جماعةٌ مِن أهلِ العِلم بالنقلِ، ولأنَّ القُلتينِ لم يُوقَفْ على حَقِيقةِ مَبلَغِهما في أثرٍ ثابتٍ ولا إجماع، ولو كان ذلك حدًّا لازمًا لوَجَب على العلماءِ البَحثُ عنه ليقِفُوا على حدِّ ما حرَّمَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وما أحَلَّه مِن الماءِ؛ لأنَّه مِن أصلِ دينِهم وفَرضِهم، ولو كان ذلك كذلك ما ضَيَّعُوه، فلقد بحَثُوا عمَّا هو أدقُّ مِن ذلك وألطَفُ، ومحالٌ في العُقولِ أنْ يكونَ مَاءانِ أحدُهما يزيدُ على الآخرِ بقَدَح أو رِطلٍ، والنَّجاسَةُ غيرُ قائمةٍ ولا مَوجودَةٍ في واحدٍ منهما؛ أحدُهما نَجِسٌ، والآخرُ طاهرٌ.

وكذلك كلُّ مَن قال بأنَّ قليلَ الماءِ يُفسِدُه قليلُ النَّجاسةِ دونَ كثيرِه وإنْ لم تَظهَرْ فيه ولم تُغيِّرْ شيئًا منه، وحَدَّ في ذلك الماءَ المسْتَبحِرَ بغيرِ أثرٍ يشهدُ له، فقولُه مدفُوعٌ بما ذكَرنا مِن الآثارِ المرفوعَةِ في هذا البابِ، وأقاويلِ علماءِ أهلِ الحجازِ فيه.

وأمَّا ما ذهَبَ إليه المِصريُّونَ مِن أصحابِ مالكٍ في أنَّ قليلَ الماءِ يفسُدُ بقليلِ النجاسةِ، مِن غيرِ حدٍّ حَدُّوهُ في ذلك، وما قالُوه مِن أجوبَةِ مَسائلِهم في البئرِ تقعُ فيها المَيتَةُ، مِن استِحبابِ نَزْح بعضِها وتطهِيرِ ما مسَّه ماؤُها، وفي إناءِ الوضوءِ يسقُطُ فيه مثلُ رؤوسِ الإبَرِ من البولِ، وفي سُؤرِ النَّصرانيِّ والمَخمُورِ، وسُؤرِ الدجاجةِ المُخَلَّاةِ (٣)، وغيرِ ذلك مِن مسائلِهم، في هذا البابِ، فذلكَ


(١) هو عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقيّ.
(٢) أخرجه البيهقي في الكبرى ١/ ٢٥٩ (١٢٧٠) من طريق الوليد بن مسلم، به.
(٣) يعني: المتروكة في الخلاء، غير مقصورة في مكان معيّن. وينظر: المحلّى لابن حزم ١/ ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>