للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: قالوا: يا رسولَ اللَّه، إنَّا نتوضأُ (١) مِن بئرِ بُضاعةَ، وفيها ما يُنجِي الناسُ (٢) والمحائضُ والجُنبُ. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الماءُ لا ينجِّسُه شيءٌ". وهذا اللفظُ غريبٌ في حديثِ سهلِ بنِ سعدٍ، ومحفوظٌ من حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ، لم يأتِ به في حديثِ سهلِ بنِ سعدٍ غيرُ ابنِ أبي حازم، واللَّهُ أعلمُ. قال قاسمٌ: هو مِن أحسنِ شيءٍ في بئرِ بُضاعةَ.

ولمَّا ثبَتَتِ السُّنَّة في الهِرِّ، وهو سبُعٌ يَفتَرسُ ويأكُلُ المَيتَةَ، أنَّه ليسَ بنَجَسٍ، دلَّ ذلك على أنَّ كُلَّ حيٍّ لا نَجاسَةَ فيه، فكانَ الكلبُ والحِمارُ والبغلُ وسائرُ الحَيوانِ كلِّه لا نَجاسَةَ فيه ما دامَ حيًّا، ولا بأسَ بسُؤرِه للوُضوءِ والشُّربِ، حاشَا الخِنزِيرَ المُحرَّمَ العينِ، فإنَّه قد اختُلِفَ فيه، فقِيلَ: إنَّه إذا ماسَّ الماءَ وهو حيٌّ أفسَدَه.

وقد قِيل: إنَّ ذلك لا يُفسِدُه على ظاهِرِ حديثِ عمرَ في السِّبَاعِ (٣)، وظاهِرِ قولِه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الماءُ لا يُنَجِّسُه شيءٌ". وهذا هو المَذهَبُ الذي إليه يذهَبُ أكثرُ أصحابِنا، وبه نقولُ.

وكذلك الطيرُ كلُّه، لا بأسَ بسُؤرِه، إلَّا أنْ يكونَ في فَمِه أذًى يُغيِّرُ الماءَ؛ اعْتِبارًا بسُنَّةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الهِرِّ وفي الماءِ أنَّه لا يُنجِّسُه إلَّا ما ظهَر فيه مِن النَّجاسةِ.

وقد روَى ابنُ عمرَ أنَّ الكِلابَ كانتْ تُقبِلُ وتُدبِرُ وتبولُ (٤) في مَسجِدِ


(١) كذا هنا كما في المحلّى: "إنّا نتوضّأ"، وقال ابن حجر في التلخيص ١/ ١٣: "تنبيه: قوله: أتتوضّأ. بتاءين مثنّاتين من فوق خطابٌ للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-".
(٢) قوله: "ما يُنْجي الناسُ" يعني: ما يُحْدِثون من القَذَر والفضلات.
(٣) أخرجه مالك في الموطّأ ١/ ٤٧٩ (١٠٢٦) عن نافع مولى عبد اللَّه بن عمر، عنه رضي اللَّه عنهما. وهو الحديث الواحد والخمسون لنافع، وسيأتي مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٤) قوله: "وتبول" لم يرد في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>