للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيَحِلَّ بغيرِ الذَّكاةِ (١). واحتجُّوا بقولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الذُّبابِ: "فَليَغمِسْه، ثم ليطرَحْه". قالوا: ولو كان أكلُه مُباحًا لم يأمُرْ بطرحِه.

وأمَّا القَملَةُ والبُرغُوثُ، فأكثَرُ أصحابِنا يقولون: لا يُؤكلُ طَعامٌ ماتَتْ فيه قملَة أو بُرغوثٌ، لأنَّهما نجِسانِ، وهما مِن الحيوانِ الذي عَيشُه مِن دم الحيوانِ، لا عيشَ لهما غيرُ الدَّم، فهما نَجِسانِ، ولهما دمٌ (٢). وكان سُليمانُ بنُ سالم القاضِي الكِنديُّ، مِن أهلِ إفرِيقِيَّةَ (٣) يقولُ: إن ماتَتِ القَملةُ في الماءِ طُرِحَ ولم يُشرَبْ، وإنْ وقَعتْ في الدَّقيقِ ولم تخرُجْ في الغِربَالِ لم يُؤكَلِ الخُبزُ، وإنْ ماتَتْ في شيءٍ جامدٍ طُرحَتْ وما حَولَها كالفأرَةِ.

وقال غيرُه مِن أصحابِنا وغيرِهم: إنَّ القَملَةَ (٤) كالذُّبابِ سواءً.

فأمَّا الماءُ، فالأصلُ فيه عندَنا ما ذكَرنا وأوضَحنا في هذا البابِ، وقد عُلِمَ أنَّ الذُّبابَ يعيشُ مِن الدَّم، ويتَناولُ مِن الأقذارِ ما لا تتَناوَلُ القَملَةُ، وفيه مِن الدَّم مثلُ ما في القَملَةِ أو أكثَرُ، وقد حكَمَ فيه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بما تقدَّمَ ذكرُنا له (٥). وهذا ما لم يكنْ فيه دمٌ، لأنَّ الحدِيثَ إنَّما يدُلُّ على أنَّ النَّجِسَ مِن الحَيوانِ ما له دمٌ سائِلٌ، وكذلكَ قال إبراهيمُ: ما ليسَ له نَفْسٌ سائِلَةٌ فليسَ بنَجسٍ (٦). يعني بالنَّفسِ: الدَّمَ.


(١) ينظر: مراتب الإجماع، ص ١٤٨ لابن حزم، وجملة الأقوال الواردة في ذلك: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٢٢.
(٢) ينظر: التلقين في الفقه المالكي لعبد الوهاب البغدادي ١/ ٢٦، والتاج والإكليل لمختصر خليل للعبدري ١/ ١٢٢.
(٣) وهو من أصحاب سحنون، وهذا نقله عنه ابن رشد في البيان والتحصيل ١/ ٣٩.
(٤) في البيان والتحصيل ١/ ٣٩: "إنّ البرغوث كالذُّباب الذي يتناول الدم، وأمّا القملة فهي من الإنسان كدَمِه".
(٥) ينظر أقوال العلماء من أهل المذاهب في ذلك: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٢٢، والمحلّى لابن حزم ١/ ١٤٨ - ١٥٠، وتحفة الفقهاء لأبي بكر السمرقندي ٣/ ٦٤.
(٦) ينظر: المصنَّف لابن أبي شيبة (٦٥٦) و (٦٥٧)، وسنن الدارقطني ١/ ٤١ (٦٧)، والسنن الكبرى للبيهقي ١/ ٢٥٣ (١٢٣٩)، وقال: وروينا معناه عن الحسن البصري وعطاء وعكرمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>