للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفيه أنَّ اليقينَ لا يَجِبُ تركُه للشكِّ حتى يأتيَ يقين يُزيلُه، ألا ترَى أنَّ ذا اليدَينِ كان على يقينٍ من أنَّ فرضَ صلاتِهم تلك أربعُ رَكْعاتٍ، وكانت إحدَى صلاتي العَشِيِّ (١) كما رُويَ، فلمَّا أتَى بها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على غيرِ تمامِها، وأمكنَ في ذلك القَصْرُ من جهةِ الوحي، وأمكنَ الوَهمُ، لَزِمَه الاستفهامُ ليصيرَ إلى يقينٍ يَقطَعُ به الشكَّ.

وفيه أنَّ الواحدَ إذا ادَّعَى شيئًا كان في مجلسِ جماعةٍ لا يُمكنُ في مثلِ ما ادَّعَاه أنْ يَنفَرِدَ بعلمِه دونَ أهلِ المجلسِ، لم يُقطعْ بقولِه حتى تُستَخْبَرَ الجماعةُ، فإنْ خالفُوه سقَط قولُه أو نُظرَ فيه بما يَجِبُ، وإنْ تابعُوه ثبَت، وقد جعَل بعضُ أصحابِنا وغيرُهم من الفقهاءِ هذا أصلًا في رُؤيةِ الهلالِ في غيرِ غَيْم، وهو أصلٌ يطولُ فيه الكلامُ، وليس هذا موضعَه.

وفيه دليلٌ على أنَّ المُحدِّثَ إذا خالفتْه جماعة في نقلِه أنَّ القولَ قولُ الجماعةِ، وأنَّ القلبَ إلى روايتِهم أشدُّ سُكُونًا من روايةِ الواحدِ.

وفيه أنَّ الشكَّ قد يَعودُ يقِينًا بخبرِ أهلِ الصدقِ، وأنَّ خبرَ الصادقِ يُوجبُ اليقينَ، والواجبُ إذا اختَلف أهلُ مجلسٍ في شهادةٍ وتكافئوا في العدالةِ، أنْ يؤخذَ بشهادةِ مَن أثبَتَ علمًا، دونَ مَن نفَاه.

وفيه أنَّ مَن سلَّم ساهيًا في صلاتِه لم يضُرَّه ذلك، وأتمَّها بعدَ سلامِه ذلك، وسجَد لسهوِه، ولم يُؤمَرْ باستئنافِ صلاتِه، بل يبني على ما عمِل فيها ويُتمُّها.


= وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير وجهٍ عن أبي هريرة، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، من رواية زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-" قلنا: وهو عنده من الوجه المذكور (٣٠٧٦)، وعند ابن سعد في الطبقات ١/ ٢٧، والبزار في مسنده ١٥/ ٣٣٥ (٨٨٩٢)، وأبي يعلى في مسنده ١١/ ٢٦٣ (٦٣٧٧).
(١) يعني: صلاتي الظُّهر والعصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>