للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدَّثناهُ خلفُ بن القاسم، قال: حدَّثنا أبو الحَسَنِ أحمدُ بن محمُودِ بن أحمد بن خُلَيدٍ الشَّمّاعُ، قال: حدَّثنا أبو شُعَيبٍ عبدُ اللَّه بنُ الحَسَنِ بن أحمد بن أبي شُعَيبٍ الحرّانيُّ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن مَنصُورٍ التَّلِّيُّ، قال: حدَّثنا مالكٌ، عن عبدِ اللَّه بن أبي بكر بن محمدِ بن عَمرِو بن حَزْم، عن أنَسٍ: أنَّ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتعملَ رَجُلًا من بني عبدِ الأشْهَلِ على الصَّدَقةِ، فلمّا قدِمَ، سَألهُ بَعِيرًا من الصَّدقةِ، فغَضِبَ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتّى عُرِفَ الغَضَبُ في وَجْهِهِ. هكذا حدَّثنا لم يزِد.

قال أبو عُمر: أمّا استِعمالُ رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الصَّدقاتِ أصْحابهُ من بني عبدِ الأشهلِ، وهُمْ من الأنصارِ، ومن الأزْدِ، وغيرِهِم، فمَعرُوفٌ مشهُورٌ في الآثارِ والسِّيرِ.

وأمّا قولُهُ في هذا الحديثِ: فلمّا قدِمَ سألهُ إبِلًا من إبِلِ الصَّدقةِ. فهذا عِندِي يَحتمِلُ أن يكونَ سألهُ من إبِلِ الصَّدقةِ شيئًا زائدًا على قَدْرِ عُمالتِهِ (١) لا يستحِقُّهُ بها، وكأنَّهُ أدلَى بعُمالتِهِ، وظنَّ أنَّهُ سَيزيدُهُ على ما يَجِبُ لهُ من سَهْمِهِ أو أجرِهِ، فغضِبَ لذلك رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ سَألهُ ما لا يصلُحُ.

وهكذا كان رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَغْضبُ، إذا رأى ما لا يصلُحُ (٢)، أو سمِعَ به، وكان في غَضَبِهِ لا يَتَعدَّى ما حَدَّ لهُ ربُّهُ عزَّ وجلَّ، ولا يَزِيدُ على أن تَحمرَّ وَجْنتاهُ وعَيناهُ، إلّا أن يكونَ حَدًّا للَّه، فيقومَ للَّه به -صلى اللَّه عليه وسلم-.

ولا يَجُوزُ أن يَحمِلَ أحدٌ هذا الحديثَ، على أنَّ العامِلَ على الصَّدقاتِ سَألهُ ما يجِبُ لهُ من سَهمِهِ، وحقِّهِ في العَملِ عليها، فمَنَعهُ، وغضِبَ لذلك، هذا ما لا يحِلُّ لأحدٍ أن يظُنَّهُ؛ لأنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد جعلَ في الصَّدقاتِ للعامِلينَ عليها حقًّا واجِبًا.

وقدِ اختَلَفَ العُلماءُ في ذلك الحقِّ: ما هُو؟


(١) العُمالة بالضم: رزق العامل، الذي جُعل له على ما قُلد من العمل. تاج العروس ٣٠/ ٥٨.
(٢) في ي ١: "يصح".

<<  <  ج: ص:  >  >>