وقد يكونُ من هذا البابِ من الفِتْنةِ، ما هُو أشدُّ مِمّا وصفنا، وهُو الإصْرارُ على الذَّنبِ، والإقامةُ عليه منهُ، وأنَّه لم يأتِهِ، فنيَّتُهُ على تلك الحالِ، ويُحِبُّ أن تَسمَحَ نفسُهُ بتَرْكِ ما هُو عليه من قَبيح أفعالِهِ، وهُو مع ذلك لا يُقلِعُ عنها.
فهذا وإن كان مُصِرًّا لم تأتِ منهُ توبةٌ، فهُو مُقِرٌّ بالذُّنُوبِ والتَّقصيرِ، يُحِبُّ أن يختِمَ اللَّهُ لهُ بخيرٍ، فيَغْفِرَ لهُ هذا برجائهِ، ولا يُقطَعَ عليه، وليسَتْ فِتنتُهُ بذلك تُخرِجُهُ عنِ الإسلام.
وقال بعضُهُم: ولا هُو مِمَّن نُكِتَ (١) في قلبِهِ نُكتةٌ سوداءُ غلبَتْ عليه، فلا يعرِفُ معرُوفًا، ولا يُنكِرُ مُنكرًا، كما قال حُذيفةُ في ذلك الحديثِ؛ لأنَّهُ يُنكِرُ ما هُو عليه، ويَودُّ أنَّهُ تابَ منهُ. قالوا: وإنَّما ذلك في الأهواءِ المُرْديةِ، والبِدَع المُحدَثةِ التي تُتَّخذُ دينًا وإيمانًا، ويُشهَدُ بها على اللَّه تَعدِّيًا وافْتِراءً، ولا يُحِبُّ من فُتِنَ بها أن يُقَصِّرَ فيها، ولا يَنْتقِلَ عنها، ويَوَدُّ ألّا يأتيهُ الموتُ إلّا عليها، فهذا أيضًا مَفتُونٌ مغرُورٌ مُتدرِّجٌ، قد أصابَتهُ فِتنةٌ، زُيِّن لهُ فيها سُوءُ عَملِهِ، يَودُّ أن يكونَ النّاسُ كلُّهُم مِثلَهُ.