للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظُّهُورِ فيها على أصحابها، والتَّكبُّرُ عليهم، ومُنافستُهُم في رِياستِهم، والبَغْيُ عليهم، وحَسَدُهُم على ما آتاهُمُ اللَّه مِنْها.

وأمّا التَّنافُسُ، والحَسَدُ على الخَيْرِ، وطُرُقِ البِرِّ، فليس من هذا في شيءٍ.

وكذلك من سألَ عمّا غابَ عنهُ من عِلم وخيرٍ، فليس بمُتجسِّسٍ، فقِفْ على ما فسَّرتُ لك.

وقد مَضَى في بابِ ابنِ شِهابٍ، عن أنسٍ، من هذا الكِتابِ، في معنى التَّحاسُدِ، والتَّدابُرِ، والتَّباغُضِ، ما فيه كِفايةٌ، فلا مَعنَى لإعادةِ ذلك هاهُنا.

ومعنى قولِهِ: "لا تَدابَرُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تقاطَعُوا" مَعنًى مُتداخِلٌ كلُّهُ مُتقارِبٌ، والمَقْصَدُ فيه إلى النَّدبِ على التَّحابِّ، ودَفْع ما نَفَى ذلك؛ لأنَّكَ إذا أحببتَ أحدًا وأصْفَيتهُ الوُدَّ، لم تُعرِضْ عنهُ بوجهِكَ، ولم تُولِّهِ دُبُرَكَ، بل تُقبِلُ عليه، وتُواجِهُهُ، وتَلْقاهُ بالبِشْرِ، ومن أبْغَضتَهُ ولَّيتهُ دُبُرَكَ، وأعْرَضتَ عنهُ.

وقد فسَّرنا هذه المعانيَ في مواضِعَ سلفت، من كِتابِنا هذا، والحمدُ للَّه.

أخبَرنا عبدُ اللَّه بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (١): حدَّثنا عيسى بنُ محمدٍ وابنُ عوفٍ، وهذا لفظُهُ، قالا: حدَّثنا الفِريابِيُّ، عن سُفيانَ، عن ثَوْرٍ، عن راشِدِ بنِ سعدٍ، عن مُعاوِيةَ، قال: سمِعتُ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولُ: "إنَّكَ إنِ اتَّبعتَ عَوراتِ النّاسِ أفْسَدتَهُم، أو كِدتَ أن تُفسِدَهُم". قال أبو الدَّرداءِ: كَلِمةٌ سَمِعها مُعاوِيةُ من (٢) رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، نَفَعهُ اللَّهُ بها.


(١) في سننه (٤٨٨٨). وأخرجه أبو يعلى (٧٣٨٩)، وابن حبان ١٣/ ٧٢ - ٧٣ (٥٧٦٠)، والطبراني في الكبير ١٩/ ٣٧٩ (٨٩٠)، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٦/ ١١٨، من طريق الفريابي، به. وانظر: المسند الجامع ١٥/ ٣٢٦ (١١٦٥٠). رجاله ثقات، لكن قال الإمام أحمد: ما رأيت أكثر خطأ في الثوري من الفريابي (محمد بن يوسف). سؤالات ابن هاني (٢٣٢٣)، وقال ابن عدي في الكامل ٧/ ٤٦٩: "الفريابي له عن الثوري إفرادات".
(٢) في م: "عن".

<<  <  ج: ص:  >  >>