للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله، لم يُدرِكُوا الأعمالَ، ولم تَجرِ عليهمُ الأقلامُ. قال: "ربُّكِ أعلَمُ بما كانوا يَعملون، والذي نَفْسي بيد لئن شِئْتِ أسْمَعتُكِ تَضاغِيهُم (١) في النّارِ" (٢).

قال أبو عُمر: أبو عَقِيلٍ هذا صاحِبُ بُهَيَّةَ، لا يُحتجُّ بمِثلِهِ عِندَ أهلِ العِلم بالنَّقلِ.

وهذا الحديثُ لو صحَّ، احتملَ أيضًا من الخُصُوصِ ما احتملَ غيرُهُ في هذا البابِ، ومِمّا يدُلُّ على أنَّهُ خُصُوصٌ لقوم من المُشرِكِين، قولُهُ: "لو شِئتِ أسْمَعتُكِ تضاغِيَهُم في النّارِ". وهذا لا يكونُ إلّا فيمَنْ قد ماتَ وصارَ في النّارِ.

وقد عارضَ هذا الحديثَ ما هُو أقْوَى منهُ من الآثارِ، والحمدُ لله.

وممّا احتجَّ به من ذهَبَ إلى القولِ بظاهِرِ آثارِ هذا البابِ، قولُ الله عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (٣) [الطور: ٢١]، وقولُهُ عزَّ وجلَّ لنُوح نبِيِّهِ عليه السَّلامُ: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: ٣٦]، فلمّا قيلَ لنُوح ذلك، وعلِمَ أنَّهُم لا يُؤمِنُونَ، وأنَّهُم على كُفرِهِم يمُوتُونَ، دعا عليهم بهلاكِ جميعِهِم، فقال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: ٢٦ - ٢٧]. فأخبَرَ أنَّهُم - لكُفْرِهِم - لا يَلِدُونَ إلّا كافرًا (٤)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "هُمْ من آبائهِم" (٥).


(١) تضاغيهم: أي صياحهم وبكاءهم. انظر: لسان العرب ١٤/ ٤٨٥.
(٢) أخرجه الطيالسي (١٦٨١)، وأحمد في مسنده ٤٢/ ٤٨٤ (٢٥٧٤٣)، وابن عدي في الكامل ٢/ ٧١، و ٧/ ٢٠٧، وابن الجوزي في العلل المتناهية (١٥٤١) من طريق أبي عقيل، به، وإسناده ضعيف كما ذكر المؤلف.
(٣) في الأصل، د ٢، م: "ذرياتهم". وهي قراءة، كما سلف ونبهنا على ذلك.
(٤) في د ٢، م: "كفارًا".
(٥) سلف تخريجه في هذا الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>