للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممَّن ردَّهُ أبو حنِيفةَ وأصحابُهُ، وهُو حديثٌ مُجتمعٌ على صِحَّتِهِ وثُبُوتِهِ من جِهَةِ النَّقلِ، وهذا مِمّا يُعَدُّ ويُنقَمُ على أبي حنِيفةَ من السُّننِ التي رَدَّها برأيهِ، وهذا مِمّا عِيبَ عليه.

(١) ولا معنَى لإنكارِهِم ما أنكرُوهُ من ذلك؛ لأنَّ هذا الحديث أصلٌ في نَفسِهِ، والمعنى فيه، واللّه أعلمُ، على ما قال أهلُ العِلم: أنَّ لبنَ المُصرّاةِ لمّا كان مُغيّبًا، لا يُوقَفُ على صِحَّةِ مِقْدارِهِ، وأمكنَ التَّداعِي في قِيمَتِهِ، وقِلَّةِ ما طَرَأ منهُ في مِلْكِ المُشترِي وكَثْرتِهِ، قطعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الخُصُومةَ في ذلك بما حدَّهُ فيه.

كما فعلَ عليه السَّلامُ في دِيَةِ الجَنِينِ، قطعَ فيه مِثل ذلك؛ لأنَّ الجنِينَ لمّا أمكنَ أن يكون حيًّا، فتكونُ فيه الدِّيةُ، وأمكنَ أن يكون ميِّتًا، فلا يكونُ فيه شيءٌ، قطعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حُكمهُ بما حدَّ فيه، واتَّفقَ العُلماءُ على القَولِ به، مع قولِهِم: إنَّ في الطِّفلِ الحيِّ الدِّيةَ كامِلةً، والميِّتُ لا شيءَ فيه.

فكذلكَ حُكمُ المُصرّاةِ، لا يُلتفتُ فيها إلى ما خالَفها من الأُصُولِ؛ لأنَّ حُكمها أصلٌ في نفسِهِ، لثُبُوتِ الخَبرِ بها عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كالعرايا، وما أشبهها، واللّه أعلمُ.

وأمّا الرَّدُّ بما دلَّسَ فيه بائِعُهُ من العَيْبِ (٢) في سِلعتِهِ، فهذا الحديثُ عِندَهُم أصلٌ في ذلك (٣).

حدَّثنا عبدُ الوارثِ بن سُفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا أبو يحيى بن أبي مَسرَّةَ، قال: حدَّثنا المُقرِئُ، قال: حدَّثنا المسعُودِيُّ، عن جابرٍ، عن (٤) أبي الضُّحَى، عن مَسرُوقٍ، قال: قال عبدُ الله بن مَسعُودٍ: أشْهَدُ


(١) هذه الفقرة والفقرتان بعدها ثلاثتها لم ترد في ت، ي ١.
(٢) في ت، ي ١: "العيوب".
(٣) زاد هنا في ي ١، ت: "وقد جعله العراقيون والشافعي أصلًا في الخيار ثلاثة أيام لا يُتجاوز". وسيأتي هذا الكلام لاحقًا.
(٤) في الأصل، د ٢، ت، م: "وعن"، خطأ، انظر: مصادر التخريج.

<<  <  ج: ص:  >  >>