للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكرَ وكِيعٌ، عن سُفيانَ، عن حكِيم بنِ جُبيرٍ، عن سعِيدِ بنِ جُبيرٍ، عنِ ابنِ عبّاسٍ، قال: ما من مولُودٍ يُولَدُ، إلّا وعلى قَلبه وسواسٌ، فإذا عقلَ فذكَرَ اللهَ خنسَ، فإذا غفلَ وسوسَ (١).

وقال ابنُ قُتَيبةَ (٢): خنسَ، أي: كفَّ وأقصرَ.

وقال اليزِيدِيُّ: يُوسوِسُ، ثُمَّ يخنِسُ، أي: يَتَوارَى.

قال أبو عُمر: فقولُ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ: "إذا نُودِي للصَّلاةِ". يُرِيدُ إذا أُذِّنَ لها، فرَّ الشَّيطانُ من ذِكْرِ الله في الأذانِ، وأدبرَ ولهُ ضُراطٌ، من شِدَّةِ ما لحِقهُ من الخِزيِ والذُّعرِ عِندَ ذِكرِ الله. وذِكرُ الله في الأذانِ تَفزعُ منهُ القُلُوبُ، ما لا تَفْزعُ من شيءٍ من الذِّكرِ، لما فيه من الجَهْرِ بالذِّكرِ، وتَعظِيم الله فيه، وإقامَةِ دِينِهِ، فيُدبِرُ الشَّيطانُ لشِدَّةِ ذلك على قَلبه، حتَّى لا يَسْمع النِّداءَ، فإذا قُضِي النِّداءُ، أقبلَ على طَبعِهِ وجِبِلَّتِهِ يُوسوِسُ أيضًا، ويَفعلُ ما يقدِرُ مِمّا قد سُلِّط عليه.

"حتَّى إذا ثُوِّب بالصَّلاةِ"، والتَّثوِيبُ هاهُنا: الإقامةُ. "أدبرَ" أيضًا. "حتَّى إذا قُضِي التَّثوِيبُ" وهُو الإقامةُ كما ذكرتُ لكَ. "أقبَلَ حتَّى يخطِرَ (٣) بينَ المرءِ ونَفسِهِ، يقولُ: اذكُر كذا وكذا، لما لم يكُن يذكُرُ، حتَّى يَظلَّ الرَّجُلُ إنْ يَدْرِي كم صلَّى". ليُنسِيهُ ويخلِط عليه (٤)، أجارَنا اللهُ منهُ.

وفي هذا الحديثِ فضلٌ للأذانِ عظِيمٌ، ألا تَرَى أنَّ الشَّيطان يُدبِرُ منهُ، ولا يُدبِرُ من تِلاوةِ القُرآنِ في الصَّلاةِ؟ وحسبُكَ بهذا فضْلًا لمن تَدبَّر.


(١) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٤١٠، من طريق الثوري، به.
(٢) غريب الحديث له ٣/ ٧٠٥ - ٧٠٦.
(٣) أي: يتبختر، وهو بكسر الطاء. وزاد هنا في د ٢: "ما".
(٤) جاء في بعض النسخ: "ويخلط ويلبس عليه"، والمثبت من الأصل، د ٢، ت، وهو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>