للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورَواهُ ابنُ المُباركِ (١)، عن زائدةَ بإسنادِهِ مِثلهُ سواءً. وقال: زائدةُ: قال السّائبُ: يعني بالجماعةِ، الصَّلاةَ في الجماعةِ.

وأمّا قولُهُ: "والذي نفسِي بيد، لو يعلمُ أنَّهُ يجِدُ عظمًا سَمِينًا، أو مِرماتَينِ حَسَنتينِ، لشهِدَ العِشاءَ".

فهذا تَوْبِيخٌ منهُ لمن تأخَّر عن شُهُودِ العِشاءِ مَعهُ، وتَقْرِيعٌ وذمٌّ صَرِيحٌ، وعيبٌ (٢) صحِيحٌ، إذ أضافَ إليهم أنَّ أحدَهُم لو علِمَ أَنَّهُ يجِدُ من الدُّنيا العَرَض القليل، والتّافِهَ الحقِير، والنَّزرَ اليَسِير في المسجِدِ، لقَصَدهُ من أجلِ ذلك، وهُو يَتَخلَّفُ عنِ الصَّلاةِ فيه (٣)، ولها من الأجرِ العَظِيم، والثَّوابِ الجَسِيم ما لا خَفاءَ به على مُؤمِنٍ، والحمدُ لله، وكَفَى بهذا توبِيخًا في أثرَةِ الطَّعام واللعب على شُهُودِ الصَّلاةِ في جماعةٍ (٤).

وهذا منهُ - صلى الله عليه وسلم - إنَّما كان قصدًا إلى المُنافِقِينَ، وإشارةً إليهم، ألا ترى إلى قولِ ابنِ مسعُودٍ: ولقد رأيتُنا في ذلك الوَقْتِ، وما يتأخَّرُ عنها إلّا مُنافِقٌ مَعلُومٌ نِفاقُهُ؟ وما أظُنُّ أحدًا من أصحابه، الذين هُم أصحابُهُ حقًّا، كان يتخلَّفُ عنهُ، إلّا لعُذرٍ بيِّنٍ، هذا ما لا يشُكُّ فيه مُسلِم إن شاءَ الله.

وضرَبَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالعَظْم السَّمِينِ، يُرِيدُ بُضْعةَ اللَّحم السَّمِينِ على عَظْمةٍ، المثلَ في التَّفاهةِ، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} يُرِيدُ الشَّيءَ الكثِير، لم يُرِدِ القِنطارَ بعينِهِ. {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ} يُرِيدُ الشَّيءَ الحقِيرَ القليل، ولم يُرِدِ الدِّينارَ بعينِهِ. {لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥].


(١) أخرجه في الزهد (١٣٠٦). ومن طريقه أخرجه النسائي في المجتبى ٢/ ١٠٦، وفي الكبرى ١/ ٤٤٥ (٩٢٢)، والبغوي في شرح السنة (٧٩٣).
(٢) في م: "وعتب".
(٣) "فيه" لم ترد في الأصل، وهي ثابتة في د ٢.
(٤) في الأصل: "وجماعة"، ولا تصح، والمثبت من د ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>