للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "فُضِّلتُ بخِصالٍ ... " وذكر مِنها: "وأُحِلَّت لي الغَنائمُ" (١). ولو كانت تُحبِطُ الأجرَ أو تُنقِصُهُ، ما كانت فضِيلةً لهُ.

وقد ظنَّ قومٌ أنَّ الغَنِيمةَ تُنقِصُ من أجرِ الغانِمِينَ، لحديثٍ رَوَوهُ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قال: "ما من سَرِيَّةٍ أسْرَتْ فأخْفَقَتْ، إلّا كُتِبَ لها أجْرُها مرَّتينِ" (٢). قالوا: وفي هذا الحديثِ ما يدُلُّ على أنَّ العسكرَ إذا لم يغنمْ كان أعظمَ لأجرِهِ، واللهُ أعلمُ.

واحْتَجُّوا أيضًا بما حدَّثنا أحمدُ بن قاسم وعبدُ الوارثِ بن سُفيانَ، قالا: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا الحارِثُ بن أبي أُسامَةَ، قال: حدَّثنا أبو عَبدِ الرَّحمنِ المُقرِئُ، قال: حدَّثنا حَيْوةُ، عن أبي هانِئٍ حُميدِ بنِ هانِئٍ الخَوْلانيِّ، عن أبي عبدِ الرَّحمنِ الحُبُلِيِّ، عن عبدِ الله بنِ عَمرِو بنِ العاصِ، أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من غازِيةٍ تَغزُو في سبِيلِ الله، فتُصِيبُ غَنِيمةً، إلّا تَعجَّلوا ثُلُثَي أجْرِهِم من الآخِرةِ، وَيبْقَى لهمُ الثُّلُثُ، فإن لم يُصِيبُوا غَنِيمةً، تمَّ لهم أجرُهُم" (٣).

وهذا إنَّما فيه تعجِيلُ بعضِ الأجرِ، مع التَّسوِيةِ فيه للغانِم وغيرِ الغانِم، إلّا أنَّ الغانِمَ عُجِّلَ لهُ ثُلُثا أجرِهِ، وهُما مُسْتوِيانِ في جُملتِهِ، وقد عوَّضَ اللهُ من لم يَغْنمَ في الآخِرةِ، بمِقدارِ ما فاتَهُ من الغَنِيمةِ، واللهُ يُضاعِفُ لمن يَشاءُ، وهُو أفضلُ من رُجِيَ وتُوُكِّل عليه، لا إله إلّا هُو.


(١) سيأتي بإسناده في شرح الحديث الحيث الثالث والأربعين، وهو في الموطأ ١/ ٤٦ - ٤٧ (٢٦). وانظر تخريجه هناك.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (١٩٦٨٦) من حديث فروة اللخمي، وفروة هذا هو ابن مجاهد لا تصح صحبته، وهو تابعي، وكان من العُباد، وتنظر ترجمته في تهذيب الكمال ٢٣/ ١٧٣ والتعليق عليها، فالحديث مرسل.
(٣) أخرجه أبو عوانة (٧٤٤٤) من طريق الحارث، به. وأخرجه أحمد في مسنده ١١/ ١٤٢ (٦٥٧٧)، ومسلم (١٩٠٦) (١٥٣)، وأبو داود (٢٤٩٧)، والنسائي في المجتبى ٦/ ١٧، وفي الكبرى ٤/ ٢٧٩ (٤٣١٨)، وابن ماجة (٢٧٨٥)، والحاكم في المستدرك ٢/ ٧٨، والبيهقي في الكبرى ٩/ ١٦٩، من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ، به. وانظر: المسند الجامع ١١/ ٢٥٤ (٨٦٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>