للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رَوى ابنُ جُريج، عن عطاءٍ، أنَّهُ سمِعَ أبا هريرةَ يقولُ: في الجُمُعةِ ساعةٌ لا يَسْألُ اللهَ فيها المُسلِمُ شيئًا، وهُو يُصلِّي إلّا أعطاهُ.

قال: ويقولُ أبو هريرةَ بيدِهِ يُقلِّلُها (١). هكذا موقُوفًا (٢).

في هذا الحديثِ دليلٌ على فَضْلِ يوم الجُمُعةِ، ودليلٌ على أنَّ بعضَهُ أفضلُ من بعضٍ؛ لأنَّ تلك السّاعةَ أفضلُ من غيرِها، وإذا جاز أن يكون يومٌ أفضَلَ من يوم، جازَ أن تكون ساعَةٌ أفضَلَ من ساعةٍ، والفضائلُ لا تُدركُ بقِياسٍ، وإنَّما فيها التَّسلِيمُ والتَّعلُّمُ والشُّكرُ.

وأمّا قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - فيهِ: "وهُو قائمٌ يُصلِّي"، فإنَّهُ يحتمِلُ القِيام المعرُوف، ويحتمِلُ أن يكون القِيامُ هاهُنا، المُواظبةَ (٣) على الشَّيءِ، لا الوُقُوف، من قولِهِ عزَّ وجلَّ: {مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: ٧٥] أي: مُواظِبًا بالاختِلافِ والاقتِضاءِ.

وإلى هذا التَّأوِيلِ يذهبُ من قال: إنَّ السّاعةَ بعدَ العَصْرِ، لأنَّهُ ليس بوقتِ صلاةٍ، ولكِنَّهُ وقتُ مُواظبةٍ في انتِظارِها، ومن هذا قولُ الأعْشَى (٤):

يقُومُ على الوَغْمِ (٥) في (٦) قومِهِ ... ويعفُو إذا شاءَ أو يَنْتقِمْ


(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (٥٥٧٣) عن ابن جريج، به.
(٢) من قوله: "وغيره يقول: يصغرها" إلى هنا، جاء مكانه في ي ١، ت، د ٢: "وفي حديث أحمد قائمًا".
(٣) في الأصل: "المواطنة"، وهو تحريف ظاهر، والمثبت من د ٢.
(٤) انظر: ديوانه، ص ٣٩.
(٥) في الأصل: "الرغم"، خطأ. والوغم: الحقد الثابت في الصدور، وجمعه أوغام. لسان العرب ١٢/ ٦٤١.
(٦) في الأصل: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>