للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ففي ذلك دليلٌ على أنَّ من لا زوجَ لهُ، فهُو أيِّمٌ، ثيِّبًا كان أو بكرًا، رجُلًا كان أو امرأةً.

قال أبو عُمر: ذهبَ إلى هذا القول طائفةٌ ممن قال: لا نكاحَ إلّا بوليٍّ. وكل من قال: النِّكاح جائزٌ بغيرِ وليٍّ. وسَنُبين اختلافَ العُلماء في النِّكاح بغيرِ وليٍّ بعدَ هذا إن شاء الله.

ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأيِّمُ أحقُّ بنفسها من وليِّها" - عند هذه الطّائفةِ القائلةِ: لا نِكاحَ إلّا بوليٍّ - أنَّه من عَدا الأبِ من الأولياء، وأنَّ الأبَ لم يُرَدْ بذلك، وممَّن قال بهذا: مالكٌ وأصحابه، وجماعة.

قال إسماعيلُ بن إسحاقَ: إنكاحُ غيرِ الأبِ، لا يجوزُ إلّا بأمرِ المرأةِ. قال: وأمّا الأبُ، فيَجُوز إنكاحُ ابنتِه البكرِ بغيرِ أمرها؛ لأنَّه غير مُتَّهم في ولدهِ، كما لا يُتَّهم في نفسهِ وماله، لأنَّ ولدَه هبة لهُ كسائرِ ماله، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران: ٣٨]. قال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ} [الأنبياء: ٧٢]، وليسَ غيرُ الأبِ من الأولياء كذلك، فلا يَجُوزُ لغيرِ الأبِ أن يُزوِّج وليَّتهُ إلّا بأمرها، قال - صلى الله عليه وسلم -: "الأِّم أحق بنفسِها من وليِّها" (١).

قال إسماعيلُ: والأيِّمُ: التي لا زوجَ لها، بالغًا كانت أو غيرَ بالغ، بكرًا كانت أم ثيِّبًا.

قال: ولم يدخُل الأب في جُملةِ الأولياء؛ لأنَّ أمرهُ في وَلدهِ، أجَلُّ من أن يَدخُلَ مع الأولياءِ الذين لا يُشبهونهُ، وليسَتْ لهم أحكامُه، ولو دخلَ في جُملة الأولياء، لما جازَ لهُ (٢) أن يُنكِحَ ابنتهُ الصَّغيرة، ثمَّ لا يكونُ لها خيارٌ عندَ بُلوغ ولا غيرهِ.

قال: وقد توهَّمَ قومٌ، أنَّ الأيِّمَ في هذا الحديث: الثَّيِّبُ.


(١) من قوله: "قال - صلى الله عليه وسلم -" إلى هنا لم يرد في الأصل.
(٢) شبه الجملة ليس في ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>