للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَيْتِ ابنِ أُمِّ مَكْتُوم، وقد (١) أجمعُوا أنَّ المرأةَ التي تَبذُو على أحمائها بلِسانِها تُؤَدَّبُ، وتُقصَرُ على السُّكنى في المنزِلِ الذي طُلِّقت فيه، وتمُنَعُ من أذى النّاسِ، فدلَّ ذلك على أنَّ منِ اعتلَّ بمِثلِ هذه العِلَّةِ في الانتِقالِ (٢)، اعتلَّ بغيرِ صَحِيح من النَّظرِ (٣)، ولا مُتَّفقٍ عليه من الخبرِ.

هذا ما يُوجِبُهُ عِندِي التَّامُّلُ لهذا الحديثِ، مع صِحَّتِهِ، وباللّه التَّوفِيقُ.

وإذا ثبتَ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطِمةَ بنتِ قيسٍ، وقد طُلِّقت طلاقًا باتًّا: "لا سُكْنَى لكِ ولا نَفقةَ، وإنَّما السُّكنى والنَّفقةُ لمن عليها رجعة". فأيُّ شيءٍ يُعارَضُ به هذا؟ هل يُعارضُ إلّا بمِثلِهِ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، الذي هُو المُبيِّنُ عن الله مُرادهُ من كِتابِهِ، ولا شيءَ عنهُ - صلى الله عليه وسلم - يدفعُ ذلك، ومعلُومٌ أنَّهُ أعلمُ بتأوِيلِ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: ٦]، من غير غيرِهِ - صلى الله عليه وسلم -.

وأمّا الصَّحابةُ فقدِ اختَلَفُوا كما رأيتَ، منهُم من يقولُ: لها السُّكنى والنَّفقةُ، منهُم: عُمرُ، وابنُ مسعُودٍ. ومنهُم من يقولُ: لها السُّكنى، ولا نفقةَ، منهُم: ابنُ عُمر، وعائشةُ. ومنهُم من يقولُ: لا سُكْنَى لها ولا نفقةَ، وممَّن قال ذلك: عليٌّ، وابنُ عبّاسٍ، وجابرٌ.

وكذلك اختِلافُ فُقهاءِ الأمصارِ على هذه الثَّلاثةِ الأقوالِ، على ما ذكرنا وبيَّنّا، والحمدُ للّه.

وأمّا الشّافِعيُّ ومالكٌ، فلا محالةَ أنَّهُ لم يثبُت عِندَهُما عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قال لفاطِمةَ: "لا سكنى لكِ ولا نَفَقةَ". مع ما رأوا (٤) من مُعارضةِ العُلماءِ الجِلَّةِ لها في ذلك، واللّه المُوفِّقُ للصَّوابِ.


(١) في د ٢، ت، م: "لأنه".
(٢) في د ٢: "انتقالها".
(٣) قوله: "من النظر" لم يرد في د ٢.
(٤) في ي ١، ت: "روى".

<<  <  ج: ص:  >  >>