للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عُمر: أُمُّ شرِيكٍ هذه امرأةٌ من بني عامرِ بن لُؤَيٍّ، وقد ذكَرْناها في كِتابِ النِّساءِ من كِتابِ "الصَّحابة" (١) بما يُغني عن ذِكرِها هاهُنا.

وفي قولِهِ في هذا الحديثِ: "فتَضَعِي ثِيابكِ ولا يراكِ". دليلٌ على أنَّ المرأةَ غيرُ واجِبٍ عليها أن تحتجِبَ من الرَّجُلِ الأعْمَى.

وهكذا في حديثِ محمدِ بن عَمرٍو، عن أبي سَلَمةَ، عن فاطِمةَ بنتِ قيسٍ، أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "انتقِلي إلى ابنِ أُمِّ مكتُوم، فإنَّهُ رجُلٌ قد ذهَبَ بصرُهُ، فإن وضَعتِ شيئًا من ثِيابِكِ، لم ير شيئًا" (٢).

وهذا يرُدُّ حَدِيث نَبْهان مولى أُمِّ سلمةَ، عن أُمِّ سَلَمةَ قالت: دخَلَ عليَّ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا وميمُونةُ جالِستانِ، فاستأذَنَ عليه ابنُ أُمِّ مَكتُوم الأعْمَى، فقال: "احتجِبا منهُ". فقُلنا: يا رسُولَ الله أليسَ بأعْمَى لا يُبصِرُنا؟ قال: "أفَعَمياوانِ أنتُما لا تُبصِرانِهِ؟ " (٣).

ففي هذا الحديثِ دليلٌ على أَنَّهُ واجِبٌ على المرأةِ أن تحتجِبَ عن الأعمى.

ويشهدُ لهُ ظاهِرُ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآيةَ [النور: ٣١].

فمن ذهَبَ إلى حديثِ نَبْهان هذا، احتجَّ بما ذكَرْنا، وقال: ليسَ في حديثِ فاطِمةَ أَنَّهُ أطلقَ لها النَّظر إليه، وقال: مَكرُوهٌ للمرأةِ أن تَنظُرَ إلى الرَّجُلِ الأجنبِيِّ، الذي ليسَ بزوج، ولا ذي مَحْرم.

وكما لا يجُوزُ للرَّجُلِ أن ينظُرَ إلى المرأةِ، فكذلك لا يجُوزُ للمَرأةِ أن تنظُرَ إلى الرَّجُلِ؛ لأنَّ الله يقولُ: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} كما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠].


(١) الاستيعاب ٤/ ١٩٤٢ - ١٩٤٣.
(٢) سلف تخريجه في هذا الباب.
(٣) سيأتي بإسناده لاحقًا، وانظر تخريجه في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>