للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفِتنةُ المذكُورةُ في هذا الحديثِ تحتمِلُ أن تكون فِتنةَ الأهلِ والمالِ، وفِتنةَ النَّظرِ إلى أهلِ الدُّنيا، وفِتنةَ الدُّخُولِ إلى السُّلطانِ، وغيرَ ذلك من أنواع الفِتَنِ.

ولم يُرِدِ الفِتْنةَ النّازِلةَ بين المُسلِمِينَ، الحامِلةَ على القِتالِ في طَلَبِ الإمار دُونَ غيرِها من الفِتَنِ، بل أرادَ بقولِهِ: "يفِرُّ بدِينِهِ من الفِتَنِ" جميعَ أنواع الفِتنِ، والله أعلمُ.

وفي ذلك دليلٌ على فَضْلِ العُزلةِ والانفِرادِ في آخِرِ الزَّمانِ، كَزمانِنا هذا.

وقد ذكَرْنا لُمعًا في العُزلةِ وفَضْلِها، وفَضْلِ اعتِزالِ النّاسِ، ولُزُوم البُيُوتِ في بابِ أبي طُوالةَ من هذا الكِتابِ، وذكرنا هُناك آثارًا مرفُوعةً حِسانًا، تدُلُّ على فضلِ العُزلةِ أيضًا والجِهادِ، فلا معنى لإعادتِها هاهُنا.

وفي هذا الحديثِ حضٌّ كَسْبِ الغَنَم، وفي ذلك فَضْلٌ لها، وتَبرُّكٌ بها، إلى ما رُوِي فيها عن أبي هريرةَ: أنَّها من دوابِّ الجنَّةِ (١). وفي ذلك فضلٌ لرَعْيِها ومُعاناتِها، وما من نبِيٍّ إلّا وقد رَعَى الغنَمَ.

حدَّثنا خلفُ بن القاسم، قال: حدَّثنا أحمدُ بن محمدِ بن يزِيدَ الحَلَبِيُّ القاضِي، قال: حدَّثنا عُمرُ بن حَفْصٍ العَسْكرِيُّ، قال: حدَّثنا أبو خَيْثمةَ مُصعبُ بن سَعِيدٍ الضَّرِيرُ بحَلَب إملاءً، قال: حدَّثنا عيسى بن يُونُس، عن مِسْعَرٍ، عن سَعْدِ بن إبراهيمَ، عن أبي سَلَمةَ بن عبدِ الرَّحمنِ بن عَوْفٍ، عن عبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ، قال: مَرْرنا بثَمَرِ الأراكِ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيكُم بالأسودِ منهُ، فإنِّي قد كُنتُ أجْتَنِيهِ وأنا أرْعَى الغنَمَ". قالوا: يا رسُولَ الله، ورعيتَ؟ قال: "نعم، ما من نبِيٍّ إلّا وقد رَعَى" (٢).


(١) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٢٢ (٢٦٩٧).
(٢) أخرجه ابن الأعرابي في معجمه (٢١٩٦)، والطبراني في الأوسط ٤/ ١٣ (٣٤٨٩) من طريق عيسى بن يونس، به.
قلنا: وفي البخاري (٢٢٦٢) وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغَنَم. فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنتُ أرعاها على قراريط لأهل مكة".

<<  <  ج: ص:  >  >>