للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكلامُ في صفات (١) البارِي، كلامٌ يستبشِعُهُ أهلُ السُّنَّةِ، وقد سكتَ عنهُ الأئمَّةُ، فما أشكَلَ علينا من مِثلِ هذا البابِ وشِبهِهِ، أمْرَرناهُ (٢) كما جاءَ، وآمنّا (٣) به، كما نصنعُ بمُتشابِهِ القُرآنِ، ولم نُناظِر عليه؛ لأنَّ المُناظرةَ إنَّما تسُوغُ وتجُوزُ فيما تحتهُ عَملٌ، ويصحبُهُ قِياسٌ، والقِياسُ غيرُ جائزٍ في صِفاتِ البارِي تعالى؛ لأنَّهُ ليسَ كمِثلِهِ شيءٌ.

قال مُصعبٌ الزُّبيرِيُّ: سمِعتُ مالك بن أنسٍ يقولُ: أدركتُ أهل هذا البلدِ، يعني: المدِينةَ، وهُم يكرهُونَ المُناظرةَ والجِدال إلّا فيما تحتهُ عملٌ. يُرِيدُ مالكٌ رحِمهُ الله: الأحكامَ في الصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والطلاق (٤)، والصِّيام، والبُيُوع، ونحوِ ذلك، ولا يجُوزُ عِندَهُ الجِدالُ فيما تَعتقِدُهُ الأفئدةُ، ممّا لا عملَ تحتهُ أكثرُ من الاعتِقادِ، وفي مِثلِ هذا خاصَّةً نَهَى السَّلفُ عن الجِدالِ، وتَناظرُوا في الفِقهِ، وتَقايسُوا فيهِ.

وقد أوضَحْنا هذا المعنى في كِتابِ "بيانِ العِلم" (٥) فمن أرادهُ تأمَّلهُ هُناك، وبالله التَّوفِيقُ.

أخبرنا أحمدُ بن محمدٍ وعُبيدُ بن محمدٍ، قالا: حدَّثنا الحسنُ بن سَلَمةَ بن المُعلَّى، قال: حدَّثنا عبدُ الله بن الجارُودِ، قال: حدَّثنا إسحاقُ بن منصُورٍ، قال: قُلتُ لأحمدَ بن حنبلٍ: حديثُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فكأنَّما قرأ ثُلُث القُرآنِ". فلم يُقِم لي على أمرٍ بيِّنٍ. قال: وقال لي إسحاقُ بن راهوية: إنَّما مَعنَى ذلك، أنَّ الله جعلَ لكلامِهِ فَضْلًا على سائرِ الكلام، ثُمَّ فضَّلَ بعضَ كلامِهِ على بَعضٍ، فجعلَ لبعضِهِ ثوابًا أضعافَ ما جعلَ لغيرِهِ من كلامِهِ،


(١) في م: "صفة".
(٢) في ي ١، ت: "أقررناه".
(٣) في د ٢: "ونؤمن به".
(٤) في الأصل، م: "والطهارة"، والمثبت من د ٢.
(٥) جامع بيان العلم وفضله ص ٣٤٩ - ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>