للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجِدَ الماءَ. قال عمّارٌ: يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ، أما تَذكُرُ إذ كُنتُ أنا وأنتَ في الإبِلِ، فأصابتنا جَنابةٌ، فأمّا أنا فتمعَّكتُ، فأتينا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فذكَرْنا ذلك لهُ (١)، فقال: "إنَّما كان يكفِيكَ أن تقولَ" - وضرب بيديهِ - "هكذا". ثُمَّ نَفخهُما، ثُمَّ مسَحَ بهما وجَههُ وَيدَيهِ إلى نِصفِ الذِّراع. قال عُمرُ: يا عمّارُ اتَّقِ الله. فقال: يا أمِيرَ المُؤمِنِين، إن شِئتَ والله لم أذكُرهُ أبدًا. قال: كلّا والله، ولكِن نُولِّيكَ من ذلك ما تولَّيتَ.

قال أبو عُمر: رَوَى ابنُ مهدِيٍّ هذا الحديث، عن الثَّورِيِّ، عن سَلَمةَ، عن (٢) أبي مالكٍ، وعبدِ الله بن عبدِ الرَّحمنِ بن أبْزَى، عن عبدِ الرَّحمنِ بن أبْزَى، مِثلهُ (٣).

ورُوِي حديثُ عمّارٍ عنهُ من طُرُقٍ كثِيرةٍ (٤)، فإن قال قائلٌ: إنَّ في بَعضِ الأحادِيثِ عن عمّارٍ في هذا الخبرِ: أنَّ عُمرَ لم يَقْنع بقولِ عمّارٍ.

فالجوابُ: أنَّ عُمرَ كان يذهبُ إلى أنَّ الجُنُب لا يُجزِئه إلّا الغُسلُ بالماءِ، فلمّا أخبَرهُ عمّارٌ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ التَّيمُّم يَكْفيه، سكت عنهُ، ولم (٥) يَنْههُ، فلمّا لم يَنْههُ، عَلِمنا أنَّهُ قد وقعَ بقلبِهِ تَصدِيقُ عمّارٍ؛ لأنَّ عمّارًا قال لهُ: إن شِئتَ لم أذكُرهُ.

ولو وقعَ في قَلبِهِ تَكذِيبُ عمّارٍ لنَهاهُ، لما كان الله قد جعل في قَلبِهِ من تَعظِيم حُرُماتِ الله، ولا شيءَ أعظم من الصَّلاةِ، وغيرُ مُتوهَّم على عُمرَ أن يسكُت على صلاةٍ تُصلَّى عِندَهُ بغيرِ طهارةٍ، وهُو الخلِيفةُ المسؤُولُ عن العامَّةِ، وكان أتْقَى النّاسِ لربِّهِ، وأنْصَحهُم لهم في دِينِهِم (٦) في ذلك الوَقتِ، رحمةُ الله عليه.


(١) "له" لم ترد في الأصل.
(٢) في م: "بن"، خطأ، والمثبت من النسخ. وانظر: مصادر التخريج.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده ٣١/ ١٧٥ (١٨٨٨٢)، والنسائي في المجتبى ١/ ١٦٨، وفي الكبرى ١/ ١٩١ (٢٩٨)، وأبو يعلى (١٦٠٦) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، به.
(٤) تنظر تفاصيل طرقه في كتابنا: المسند المصنَّف المعلل ٢٢/ ١٥ - ٢٢ (٩٩٢٠).
(٥) في م: "ولن".
(٦) في د ٢: "في دينه"، ولها وجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>