للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعَمَ أبو ثورٍ: أنَّ القِياسَ، أن لا إعادةَ عليه، لأنَّهُ كمن لم يجِد ثوبًا، صلَّى عُريانًا، ولا إعادَةَ عليه.

قال: وإنَّما الطَّهارةُ بالماءِ، أو بالصَّعِيدِ، كالثَّوبِ، فمن لم يَقْدِر عليها، سقطت عنهُ، والصَّلاةُ لهُ لازِمةٌ على حَسَبِ قُدرتهِ، وقد أدّاها في وَقْتِها على قَدرِ طاقتِهِ.

وقدِ اختلفُوا في وُجُوبِ إعادتِها، ولا حُجَّةَ لمن أوجَبَ الإعادةَ عليه.

وأمّا الذين قالوا: من لم يَقْدِر على الماءِ ولا على الصَّعِيدِ، صلَّى كما هُو، وأعادَ إذا قدرَ على الطَّهارةِ، فإنَّهُمُ احتاطُوا للصَّلاةِ، فذهَبُوا إلى حديثِ عائشةَ، المذكُورِ في هذا البابِ، من رِوايةِ هشام بن عُروةَ، وفيهِ: أنَّ أصحابَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذينَ بَعَثهُم في طَلَبِ القِلادةِ، وحَضَرتهُمُ الصَّلاةُ، فصلَّوا بغيرِ وُضُوءٍ، إذ لم يَجِدُوا الماءَ. فلم يُعنِّفهُم رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نهاهُم، وكانت طهارتهمُ الماءَ، فلمّا عَدِمُوهُ، صلَّوا كما كانُوا في الوَقتِ، ثُمَّ نزلَتْ آيةُ التَّيمُّم، فكذلك إذا لم يَقدِر على الماءِ، ولا على التَّيمُّم، عندَ عدم الماء، صلَّى في الوَقتِ كما هُو، فإذا وجدَ الماءَ، أو قدرَ على التَّيمُّم، عندَ عدم الماء، أعادَ تلك الصَّلاةَ احتِياطًا، لأنَّها صَلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ، وقالوا: لا يَقْبلُ الله صَلاةً بغيرِ طُهُورٍ، لمن قدِرَ على الطَّهُورِ، فأمّا من لم يَقدِر على الطَّهُورِ، فليس كذلك، لأنَّ الوقت فَرْضٌ، وهُو قادِرٌ عليه، فيُصلِّي كما قدرَ في الوقتِ، ثُمَّ يُعِيدُ، فيكونُ قد أخذَ بالاحتِياطِ في الوَقتِ والطَّهارةِ جميعًا.

وذهَبَ الذين قالوا: إنَّهُ لا يُصلِّي حتَّى يجِدَ الماءَ أوِ التَّيمُّم، إلى ظاهِرِ قولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبلُ الله صَلاةً بغيرِ طُهُورٍ" (١).

قالوا: ولمّا أوجَبُوا عليهِ الإعادةَ، إذا قدرَ على الماءِ أوِ التَّيمُّم، لم يكُن لأمرِهِم إيّاهُ بالصَّلاةِ معنًى، وفي حديثِ مالكٍ هذا عن عبدِ الرَّحمنِ بن القاسم،


(١) سيأتي بإسناده لاحقًا، وانظر تخريجه في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>