للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذكرَ ابنُ عبدُوسٍ: أنَّ ابن نافِع روى عن مالكٍ، في الذي يجمعُ بين الصَّلاتينِ: أنَّهُ يتيمَّمُ لكلِّ صلاةٍ.

وقال أبو الفَرَج في ذاكِرِ الصَّلواتِ: إن قَضاهُنَّ بتيمُّم واحِدٍ، فلا شيءَ عليه، وذلك جائزٌ لهُ.

ولأصحابِ مالكٍ في هذا البابِ ضُرُوبٌ من الاضطِرابِ.

ومن حُجَّةِ من رأى التَّيمُّم لكلِّ صلاةٍ: أنَّ الله أوجَبَ على كلِّ قائم إلى الصَّلاةِ طلَبَ الماءِ، وأوجَبَ عِندَ عدَمِهِ التَّيمُّم، وعلى المُتيمِّم عِندَ دُخُولِ وَقْتِ صلاةٍ أُخْرَى، ما عليهِ في الأُولى، وليسَتِ الطَّهارةُ بالصَّعِيدِ، كالطَّهارةِ بالماءِ، لأنَّها طَهارةٌ ناقِصةٌ، طَهارةُ ضرُورةٍ، لاسْتِباحةِ الصَّلاةِ قبلَ خُرُوج الوقتِ، بدليلِ إجماع المُسلِمِين على بُطلانِها بوُجُودِ الماءِ، وإن لم يُحدِث، وليسَ كذلك الطَّهارةُ بالماءِ، ألا ترَى أنَّ السُّنَّةَ المُجتَمعَ عليها قد وردَتْ بجوازِ صَلَواتٍ كثِيرةٍ، بوُضُوءٍ واحِدٍ بالماء؛ لأنَّ الوُضُوءَ الثّاني في حُكم الأوَّلِ، ليسَ بناقِضٍ لهُ، وليس كذلك إذا وُجِدَ الماءُ بعدَ التَّيمُّم، فلذلك أمر بطَلبِهِ لكلِّ صلاةٍ، وإذا طلَبهُ ولم يجِدهُ تيمَّم، بظاهِرِ قولِ الله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: ٦].

ولمّا أجمعُوا أنَّهُ لا يتيمَّمُ قبلَ دُخُولِ الوقتِ، دلَّ على أنَّهُ يلزمُهُ التَّيمُّمُ لكلِّ صَلاةٍ، لئَلّا تكونَ قبلَ دُخولِ الوَقتِ.

وقال أبو حنِيفةَ والثَّورِيُّ واللَّيثُ والحسنُ بن حيٍّ وداودُ: يُصلِّي ما شاءَ بتيمُّم واحِدٍ، ما لم يُحدِث؛ لأنَّهُ طاهِرٌ ما لم يجِدِ الماءَ، وليس عليه طَلَبُ الماءِ إذا يئسَ منهُ (١).

وللكلام في هذه المسألةِ وُجُوهٌ يطُولُ البابُ بذِكرِها، وفي التَّيمُّم مَسائلُ كثِيرةٌ هي فُرُوعٌ، لو أتينا بها، خرجنا عن شَرْطِنا، وبالله توفِيقُنا (٢).


(١) انظر: مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٤٧.
(٢) جاء في حاشية الأصل: "بلغت المقابلة بحمد الله وحسن عونه".

<<  <  ج: ص:  >  >>