للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهِ، فلمّا كان بالجِعرانةِ، وعلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثوب أُظِلَّ به عليهِ، معَ (١) خمسةِ ناسٍ من أصحابِهِ، منهُم: عُمرُ بن الخطّابِ، إذ جاءَ رجُلٌ عليهِ جُبَّةٌ، مُتضمِّخٌ بطِيبٍ، فقال: يا رسُولَ الله، كيفَ تَرى في رجُلٍ أحرمَ بعُمرةٍ في جُبَّةٍ، بعدَ ما تضمَّخَ بطِيبٍ؟ فسكَتَ ساعةً، فجاءَهُ الوَحْيُ، فأشارَ عُمرُ إلى يَعْلَى بيدِهِ: أن تعال، فجاءَ وأدخَلَ رأسهُ، فإذا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحمرُّ الوَجْهِ يغِطُّ كذلك ساعةً، ثُمَّ سرِّيَ عنهُ، فقال: "أين السّائلُ عن العُمرةِ آنِفًا؟ ". فالتُمِسَ الرَّجُلُ، فأُتي به، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أمّا الطِّيبُ الذي بكَ فاغسِلهُ عنكَ ثلاث مرّاتٍ، وأمّا الجُبَّةُ فانْزِعها، ثُمَّ اصنَعْ في عُمرتِكَ، ما تَصْنعُ في حجِّك" (٢).

قال ابنُ جُريج: كان عَطاءٌ يأخُذُ في الطِّيبِ للمُحرِم بهذا الحديثِ. قال ابنُ جُريج (٣): وكان عَطاءٌ يكرَهُ الطِّيبَ عِندَ الإحرام، ويقولُ: إن كانَ به شيءٌ منهُ، فليَغْسِلهُ وليُنقِّهِ، وكان يأخُذُ بشأنِ صاحِبِ الجُبَّةِ. قال ابنُ جُريج: وكان شأن صاحِبِ الجُبَّةِ قبلَ حجَّةِ الوداع، والآخِرُ فالآخِرُ من أمرِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أحقُّ أن يُتَّبعَ (٤).

قال أبو عُمر: مذهبُ ابنِ جُرَيج في هذا البابِ، خِلافُ مذهبِ عَطاءٍ، وحُجَّتُهُ أنَّ الآخِرَ ينسخُ الأوَّل، حُجَّةٌ صحِيحةٌ، ولا خِلافَ بينِ جماعةِ أهلِ العِلم بالسِّيرِ والأثرِ أنَّ قِصَّةَ صاحِبِ الجُبَّةِ كانت عامَ حُنينٍ بالجِعرانةِ، سنةَ ثمانٍ،


(١) في م: "معه".
(٢) أخرجه الحميدي (٧٩١) عن سفيان بن عيينة، به. وأخرجه أحمد في مسنده ٢٩/ ٤٦٨ (١٧٩٤٨)، والبخاري (١٥٣٦، ٤٣٢٩)، ومسلم (١١٨٠) (٨)، وابن الجارود في المنتقى (٤٤٧) من طريق ابن جريج، به. وانظر: المسند الجامع ١٥/ ٧٣٩ - ٧٤٠ (١٢١٣٩).
(٣) من قوله: "كان عطاء يأخذ" إلى هنا، سقط من د ٢.
(٤) أخرجه ابن حزم في حجة الوداع، ص ٢٤٣ - ٢٤٤، من طريق عبد الرزاق، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>