للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يقولُوا: "عن أبيهِ". وإنَّما قال فيه: "عن أبيهِ" يحيى بن أيُّوب العلّافُ وحدهُ، واللهُ أعلمُ.

وأمّا قولُهُ: "ما لي ممّا أفاءَ الله عليكُم إلّا الخُمُسُ، والخُمُسُ مَرْدُودٌ عليكُم" فإنَّهُ أرادَ: إلّا الخُمُسُ، فإنَّهُ إليَّ أعملُ فيه برأيِي، وأرُدُّهُ عليكُم باجتِهادِي؛ لأنَّ الأربعةَ الأخماسِ من الغَنِيمةِ فمقسومةٌ على المُوجِفِينَ (١)، مِمَّن حضرَ القِتالَ، على الشَّرِيفِ والمشرُوفِ، والرَّفِيع والوَضِيع، والغنِيِّ والفقِيرِ بالسَّواءِ، للفارِسِ ثلاثةُ أسهُم، إذا كان حُرًّا ذكرًا غيرَ مُسْتَأجرٍ، وللرّاجِلِ منهُم سَهْمٌ واحِدٌ، وليسَ للرَّأيِ والاجتِهادِ في ذلك مَدْخَلٌ.

وهذا ما لا خِلافَ فيه بينَ العُلماءِ قَرْنًا بعد قرنٍ، وِراثةً عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، إلّا ما اختُلِفَ فيه من سَهْم الفارِسِ، على ما قد ذكَرْناهُ في بابِ نافع، عن ابن عُمرَ. فإنَّ من أهلِ العِلم طائفةً، منهُم أبو حنِيفةَ، يقولُونَ: للفارسِ سَهْمانِ (٢). والجُمهُورُ على أنَّ للفرَسِ سَهْمينِ، ولراكِبِه: سهمٌ، ثلاثةُ أسهُم.

وقد قال جماعةٌ من أهلِ العِلم: إنَّ هذا الحدِيث فيه نَفْيُ الصَّفِيِّ، لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقد أخذَ وَبَرةً من البَعِيرِ: "والذي نفسِي بيدِهِ، ما لي ممّا أفاءَ الله عليكُم، ولا مِثلُ هذه، إلّا الخُمُسُ، والخُمُسُ مَرْدُودٌ عليكُم".

وقال (٣) آخرُونَ، مِمَّن أوجبَ الصَّفِيَّ: كانَ هذا القولُ منهُ، قبلَ أن يجعلَ الله لهُ الصَّفِيَّ.

وقال آخرُونَ: يحتملُ أن يكونَ سكتَ عن الصَّفِيِّ، لمعرِفتِهِم به إذ خاطَبهُم.


(١) في د ٢: "المرجفين"، وهو تحريف.
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي ١٠/ ٤١.
(٣) هذه الفقرة سقطت من د ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>