للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن عُيينةَ: إنَّما ردَّ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الخَمِيصةَ إلى أبي جهم؛ لأنَّه كَرِهها، إذ كانت سببَ غَفْلةٍ وشُغلٍ عن ذِكرِ اللَّه، كما فعَلَ في الموضِع الذي نامَ فيه عن الصَّلاةِ، لما نالَ فيه الشَّيطانُ منهُم منِ الغَفْلةِ (١). قال: ولم يكُن رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليبعثَ إلى أبي جهم بشيءٍ يَكْرهُهُ لنفسِهِ، ألم تَسْمع قولهُ لعائشةَ في الضبِّ: "إنّا لا نتصدَّقُ بما لا نأكل" (٢).

وكان رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقْوَى خلقِ اللَّه على أمرِ اللَّه، وعلى ردِّ كلِّ وَسْوسةٍ، ولكِنَّهُ كَرِهها وأبْغَضها، إذ كانت سببَ الغَفْلةِ عن الذِّكرِ، هذا معنى قولِ ابن عُيينةَ، في سُؤالِ نُعيم بن حمّادٍ لهُ عن ذلك.

حدَّثناهُ جماعةٌ، عن عبدِ اللَّه بن عُثمان، عن سعدِ بن مُعاذٍ، عن ابن أبي مريم، عن نُعيم، عنهُ.

وفيه: الصَّلاةُ في الأكسِيةِ؛ لأنَّ الخمِيصةَ كِساءُ صُوفٍ مُعلَّمةٌ (٣).

وفيه: دليلٌ على أنَّ الالتِفاتَ في الصَّلاةِ، والنَّظر إلى ما يَشْغلُ الإنسانَ عنها، لا يُفسِدُها، إذا تمَّت بحُدُودِها، من رُكُوعِها، وسُجُودِها، وسائرِ فرائضِها؛ لأنَّ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ نظرَ إلى أعلام خَمِيصةِ أبي جهم، واشتغلَ بها، لم يُعِد صِلاتهُ.

حدَّثنا سعِيدُ بن نصرٍ وعبدُ الوارِثِ بن سُفيانَ، قالا: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن إسماعيل التِّرمِذِيُّ، قال: حدَّثنا الحُميدِيُّ،


(١) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٤٥ - ٤٦ (٢٥، ٢٦).
(٢) من قوله: "في الضب" إلى هنا، جاء مكانه في م: "لا تتصدقي بما لا تأكلين". وأثبتها ناشر م، من شرح الزرقاني على الموطأ. والحديث أخرجه الطبراني في الأوسط (١٨٣٢)، ولفظه: "أتتصدقين بما لا تأكلين".
(٣) في الأصل: "معلم"، والمثبت من د ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>