للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"أكرَهُ العَوْراءَ البيِّن عَوَرُها، والمرِيضةَ البيِّن مَرضُها، والمهزُولةَ البيِّن هُزالُها، والمكسُورةَ بعضُ قَوائمِها بيِّنٌ كَسرُها" (١).

قال أبو عُمر: استدلَّ بعضُ من ذهَبَ إلى إيجابِ الضَّحِيَّةِ فرضًا، بهذا الحدِيثِ، لقولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه: "أربعٌ لا تُجزِئُ، أو لا تجُوزُ، في الضَّحايا".

قالوا: فقولُهُ: "لا تُجزِئُ" دليلٌ على وُجُوبِها؛ لأنَّ التَّطوُّعَ لا يُقالُ فيه: لا يُجزِئُ. قالوا: والسَّلامةُ من العُيُوبِ إنَّما تُراعى في الرِّقابِ الواجِبةِ، وأمّا التَّطوُّعُ فجائزٌ أن يُتقرَّبَ إلى اللَّه فيه بالأعورِ، وغيرِهِ. قالوا: فكذلك الضَّحايا.

قال أبو عُمر: ليسَ في هذا حُجَّةٌ؛ لأنَّ الضَّحايا قُربانٌ سَنَّهُ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يُتقرَّبُ به إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، على حسَبِ ما وردَ به الشَّرعُ، وهُو حُكمٌ وردَ به التَّوقِيفُ، فلا يُتعدَّى به سُنَّتهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، لأنَّهُ مُحالٌ أن يُتقرَّب إليه بما قد نُهي عنهُ، على لِسانِ رسُولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وقد أخَّرنا القولَ في إيجابِ الأُضحِيَّةِ فرضًا، أو سُنَّةً، أو تطوُّعًا، إلى بابِ يحيى بن سعِيدٍ من هذا الكِتابِ، فهُناك مَوْضِعُ القولِ في ذلك، وذكرنا في ذلك البابِ ما للعُلماءِ فيه من الأقوالِ، والمعاني، والاعتِلالِ.

واقْتَصرنا (٢) من القولِ هاهُنا على أحكام العُيُوبِ في الضَّحايا، ليَقَعَ في كلِّ بابٍ ما هُو أولى به من مَعانِيهِ، وباللَّه التَّوفِيقُ.

قال أبو عُمر: أمّا العُيُوبُ الأربعةُ المذكُورةُ في هذا الحدِيثِ، فمُجتَمعٌ عليها، لا أعلمُ خِلافًا بينَ العُلماءِ فيها، ومَعلُومٌ أنَّ ما كانَ في معناها داخِلٌ فيها، ولا سيَّما إذا كانتِ العِلَّةُ فيها أبيَنَ.

ألا ترَى أنَّ العوراءَ إذا لم تَجُز، فالعَمْياءُ أحْرَى ألّا تجُوز. وإذا لم تَجُزِ العَرْجاءُ، فالمقطُوعةُ الرِّجلِ، أوِ التي لا رِجل لها المُقعدَةُ، أحرى ألّا تجُوزَ.


(١) انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم (١٦٠٨)، يعني: مرسلًا.
(٢) في ت: "أفردنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>