للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأجمعَ العُلماءُ على أنَّ اليَمِين إذا لم يُقتَطع بها مالُ أحدٍ، ولم يُحلَف بها على مال، فإنَّها ليَسْتِ اليمِين الغمُوس التي وردَ فيها الوَعِيدُ، واللَّهُ أعلمُ.

وقد تُسمَّى غَمُوسًا على القربِ، وليَسْت عِندهُم كذلك، وإنَّما هي كَذْبةٌ، ولا كفّارةَ عِندَ أكثرِهِم فيها إلّا الاستِغفارُ.

وكان الشّافِعيُّ وأصحابُهُ، ومَعمرُ بن راشِدٍ، والأوزاعِيُّ، وطائفةٌ يرونَ فيها الكفّارةَ.

ورُوِي عن جماعةٍ من السَّلفِ: أنَّ اليمِينَ الغمُوسَ لا كفّارةَ لها، وبه قال جُمهُورُ فُقهاءِ الأمصارِ.

وكان الشّافِعيُّ والأوزاعيُّ ومعمرٌ وبعضُ التّابِعِين، فيما حكى المروزِيُّ يقولُون: إنَّ فيها الكفّارةَ فيما بينهُ وبين اللَّه في حِنْثِهِ، فإنِ اقْتَطعَ بها مال مُسلِم، فلا كفّارةَ لذلك، إلّا أداءُ ذلك، والخُرُوجُ عنهُ لصاحِبِهِ (١)، ثُمَّ يُكفِّرُ عن يَمِينِهِ بعد خُرُوجِهِ ممّا عليه في ذلك (٢).

وقال غيرُهُم من الفُقهاءِ، منهُم: مالكٌ (٣)، والثَّورِيُّ، وأبو حنِيفةَ (٤): لا كفّارةَ في ذلك، وعليه أن يُؤَدِّي ما اقْتَطعهُ من مالِ أخِيهِ، ثُمَّ يتُوبُ إلى اللَّه ويستغفِرُهُ، وهُو فيه بالخِيارِ، إن شاءَ غفرَ لهُ، وإن شاءَ عذَّبهُ.

وأمّا الكفّارةُ، فلا مدخلَ لها عِندَهُم في اليَمِينِ الكاذِبةِ، إذا حلفَ بها صاحِبُها عمدًا مُتعمِّدًا للكَذِبِ. وهذا لا يكونُ إلّا في الماضِي أبدًا، وأمّا المُسْتَقبلُ (٥) من الأفعالِ فلا.


(١) في د ٢، ت: "إلى صاحبه عنه" بدل: "عنه لصاحبه".
(٢) انظر: مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٢٦٣، والاستذكار ٥/ ١٩٢.
(٣) انظر: أحكام القرآن للجصاص ٤/ ١١٢.
(٤) انظر: المبسوط للشيباني ٨/ ١٢٧ - ١٢٨.
(٥) زاد هنا في م: "في".

<<  <  ج: ص:  >  >>