للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الطحاوي (١): لما كان التَّقصيرُ مسنونًا عند الجميع في الشارب، كان الحلقُ فيه أفضلَ قياسًا على الرأس. قال: وقد دعا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للمُحلِّقين ثلاثًا، وللمُقَصِّرين واحدة (٢)، فجعل حلقَ الرأس أفضلَ من تقصيره، فكذلك الشارب. وما احتجَّ به مالكٌ أنَّ عمرَ كان يفتِلُ شاربَه إذا غضِب أو اهتمَّ، فجائزٌ أن يكونَ كان يترُكُه حتى يمكنَ فتْلُه، ثم يحلِقُه كما ترَى كثيرًا من الناس يفعَلُه.

قال أبو عُمر: إنما في هذا الباب أصلان:

أحدُهما: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (٣): "أحفُوا الشَّوارِب" (٤). وهو لفظ مجملٌ محتملٌ للتأويل.

والثاني: قصُّ الشارب، وهو مفسِّرٌ، والمفسِّرُ يقضي على المجمل، مع ما رُوِيَ فيه أنَّ إبراهيمَ أولُ من قصَّ شاربَه (٥). وقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قصُّ الشَّارب من الفِطْرَة" (٦). يعني فطرةَ الإسلام، وهو عملُ أهل المدينة، وهو أولى ما قيل به في هذا الباب، واللَّه الموفِّق للصواب.

وقد كان أبو بكرٍ محمدُ بنُ أحمد بن الجهم يقول: الشاربُ إنما هو أطرافُ الشَّعَر الذي يُشرَبُ به الماء. قال: وإنما اشتُقَّ له لفظُ شاربٍ لقُرْبِه من موضع شُرْب الماء. وذكَر خبرَ سِماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقصُّ من شاربِه، وكان إبراهيمُ خليلُ اللَّه يقصُّ شاربَه، أو من شاربِه.


(١) في مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣٨٤.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٥٢٩ (١١٧٣) عن نافع مولى ابن عمر، عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، ومن طريقه البخاري (١٧٢٧)، ومسلم (١٣٠١) (٣١٧)، وهو الحديث الثالث والخمسون لنافع، وقد سلف مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه.
(٣) قوله: "قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-" لم يرد في الأصل، وهو ثابت في بقية النسخ.
(٤) سلف تخريجه.
(٥) سلف تخريجه.
(٦) سلف تخريجه قبل قليل بلفظ: "من الفطرة قصُّ الشارب. . . " من حديث عائشة رضي اللَّه عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>