للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: في هذا الحديث دليلٌ على أنَّ الاختلافَ في الأفعال والأقوال والمذاهب كان في الصحابة موجودًا (١).

فينما وقَع الاختلافُ بين الصحابة، واللَّهُ أعلم، بالتأويل (٢) المحتمل فيما سمِعوه ورأوْه، أو فيما انفرَد بعلمِه بعضُهم دون بعض، أو فيما كان منه عليه السلامُ على طريق الإباحة في فعلِه لشيئَيْن مختلفَيْن، وقد بيَّنّا العللَ في اختلافهم في غير هذا الكتاب (٣).

وفي هذا الحديث دليلٌ على أنَّ الحجّةَ عندَ الاختلاف السُّنة، وأنها حُجّةٌ على مَن خالَفها، وليس مَن خالَفها حُجّةً عليها، ألا ترى أنَّ ابنَ عمرَ لما قال له عُبيدُ بنُ جُريج: رأيتُك تصنَعُ أشياءَ لا يَصنَعُها أحدٌ من أصحابك. لم يَستَوْحِشْ من مفارقةِ أصحابه، إذ (٤) كان عندَه في ذلك علمٌ من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يقل له ابنُ جُريج: الجماعةُ أعلمُ برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منك، ولعلك وهِمْتَ. كما يقولُ اليومَ مَن لا علمَ له، بل انقاد للحقِّ إذ سمِعَه، وهكذا يَلزَمُ الجميع، وباللَّه التوفيق.

وأما قوله: "رأيتُك لا تَمَسُّ من الأركان إلا اليَمانِيَيْن" فالسُّنةُ التي عليها جمهورُ الفقهاء أنَّ ذَينِك الرُّكنَين يُستَلَمان دون غيرهما. وأمّا السّلَفُ فقد اختلفوا في ذلك؛ فرُوِيَ عن جابر، وأنس، وابن الزُّبير، والحسن، والحُسين أنهم كانوا يَستلِمون الأركانَ كلَّها. وعن عُروةَ مثلُ ذلك (٥).


(١) بعد هذا في م: "وهو عند العلماء أصح ما يكون في الاختلاف، إذ كان بين الصحابة، وأما ما أجمع عليه الصحابة واختلف فيه من بعدهم فليس اختلافهم بشيء"، وقد زادها محققه من نسخة الأوقاف، ولا وجود لها في نسخ النشرة الأخيرة، وهي الأصل، د ٢، د ٣.
(٢) في الأصل، م: "في التأويل"، والمثبت من د ٢، د ٣.
(٣) ينظر: جامع بيان العلم وفضله له ٢/ ٩١٣ - ٩٢٧.
(٤) في الأصل: "إذا".
(٥) تنظر الروايات المنقولة عنهم في ذلك: المصنَّف لعبد الرزاق ٥/ ٤٦ (٨٩٤٧) و (٨٩٤٨) و (٨٩٥٠) و ٥/ ٤٧ (٨٩٥٢)، والمصنَّف لابن أبي شيبة (مَن كان يستلم الرُّكن) (١٥٢٢٨) فما بعدها، وشرح معاني الآثار ٢/ ١٨٣، والسنن الكبرى للبيهقي ٥/ ٧٦ - ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>