للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال للذي جاءَ بالشِّراك أو الشراكين: "شِراك أو شِرَاكان من نارٍ". ففي قوله هذا كلِّه دليلٌ على تعظيمِ الغُلُولِ، وتعظيمِ الذَّنب فيه، وأظنُّ حقوقَ الآدميِّين كلَّها كذلك في التعظيم، وإن لم يُقطَعْ على أنّه يأتي به حاملًا له كما يأتي بالغُلُول، والله أعلمُ. وقد ترَكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ على الرجلِ الذي غلَّ الخَرَزاتِ، وهي لا تساوي درهمين، عقوبةً له، وسيأتي هذا الحديث في باب يحيى بن سعيدٍ إن شاءَ الله.

وأما الشَّمْلةُ فكساءٌ مُخْمَلٌ (١)، وقال الخليلُ (٢): اشتملَ بالثوبِ أدارَه على جسدِه. قال: والاسمُ الشَّملَةُ. قال: والشَّملةُ كساءٌ ذو خَمْلٍ. وقال الأخفشُ: الشَّملةُ الإزارُ من الصوف.

وفي هذا الحديث أيضًا دليلٌ على أنَّ الغالَّ لا يجبُ عليه حرقُ متاعِه، لأنّ

رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُحَرِّقْ رَحْلَ الذي أخذَ الشَّمْلةَ ولا متاعَه، ولا أحرقَ متاعَ صاحبِ الخَرَزاتِ، ولو كان حَرْقُ متاعِه واجبًا، لفعَله - صلى الله عليه وسلم - حينَئذٍ، ولو فعَله لنُقِلَ ذلك في الحديث. وقد رُوِيَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "مَنْ غَلَّ فأحرِقُوا متاعَه، واضرِبُوه". رواه أسدُ بن موسَى وغيرُه، عن الدَّرَاوَرْديِّ، عن صالح بن محمدِ بن زائدةَ، عن سالم، عن ابن عمرَ (٣). وقال بعضُ رواةِ هذا الحديثِ فيه: "فاضرِبُوا عُنقَه، وأحرِقُوا متاعَه" (٤). وهو حديث يدورُ على صالحِ بن محمد بن زائدةَ، وهو ضعيفٌ لا يُحتَجُّ به.

وقد اختلف العلماءُ في عقوبةِ الغالِّ، فذهَب مالكٌ، والشَّافعيُّ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُهم، واللَّيثُ بن سعدٍ، إلى أنَّ الغالَّ يُعاقَبُ بالتَّعزير، ولا يُحرَقُ متاعُه.


(١) الخَمْلُ: هُدْبُ القطيفة ونحوها مما يُنسجُ ويَفضُلُ له فضولٌ (التاج: خمل).
(٢) العين ٦/ ٢٦٦.
(٣) أخرجه أبو داود (٢٧١٣)، والطحاوي في مشكل الآثار (٤٢٤١).
(٤) أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (٤٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>