للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من وُجوهٍ شتّى غير طريق أبي حازم أنه لقي مُعاذُ بن جَبَل وسمع منه، فلا شيءَ في هذا على مالكٍ ولا على أبي حازم عندَ أهل العلم بالحديث والاتِّساع في علمه، وإذا صحَّ عن أبي إدريسَ أنه لقيَ مُعاذُ بنَ جبل، فيَحتملُ ما حكاه ابنُ شهاب عنه من قوله: "فاتَني معاذٌ"، يريدُ فَوتَ لُزوم وطُول مُجالسة، أو: فاتَني في حديث كذا، أو معنى كذا، واللَّه أعلم (١). وعلى هذا يتَّسقُ تخريجُ الأخبار عنه في هذا الباب، واللَّه أعلم.

حدَّثنا عبدُ الرحمن بنُ يحيى وأحمدُ بنُ فتح، قالا: حدَّثنا حمزةُ بنُ محمد، قال: حدَّثنا إسحاقُ بنُ إبراهيمَ بنِ جابرٍ القَطّان، قال: حدَّثنا سعيدُ بنُ أبي مريم (٢)، قال: أخبرنا مالكٌ، قال: حدَّثنا أبو حازم، عن أبي إدريسَ الخَولانيِّ، فذكَر هذا الحديثَ حرفًا بحرف، كما ذكَرناه من "الموطأ"، إلا أنه لم يقل: شابٌّ. وإنما قال: فتًى برّاقُ الثّنايا. ثم ساق الحديثَ إلى آخره، وقال: فأخَذ بحُبْوَتي (٣). ولم يقل: بحُبْوةِ رِدائي.


(١) أو يكون مرادُه: فاتَني أن أعِيَ، كما ذكر الطحاويُّ في شرح مشكل الآثار في سياق ردِّه على من زعم عدم سماع أبي إدريس الخولاني عن معاذ، فقال بعد أن أخرج قول الزُّهري السالف بإسناده من طريق ابن عيينة ومعمر: "فكان مَنْ توهَّم مَن حكَينا عنه ما حكينا مِنْ دفْعِه لقاءَ أبي إدريسَ معاذًا بما في هذا الحديث: لا يُوجبُ ما توهَّم من ذلك؛ لأنّ هذا الحديثَ إخبارُ أبي إدريس بلقائه عُبادةَ ووَعْيَه عنه، ولقائه شدّادَ بنَ أوْس ووَعْيه عنه، ثم قال: وفاتَني معاذٌ. فاحتُمِل أن يكون المرادَ بقوله: فاتَني؛ أي: فاتَني أن أعي كما وعَيتُ عن اللَّذين ذكرَهُما قبلَه، لا أنّه لم يلْقَه، وكيف يجوز أن يُظنَّ ذلك به مع عدْلِه رحمه اللَّه في نفسه، ومع ضبطه في روايته، ومع جلالة مَن حدَّث بذلك عنه، وهم: أبو حازم بن دينار، وعطاء بن عبد اللَّه الخُراسانيّ، ويونس بن ميسرة بن حلْبَس، والوليد بن عبد الرحمن؛ وهؤلاء جميعًا أئمّةٌ مقبولةٌ روايتُهم، غيرُ مدفوعينَ عن العدْل فيها، والضبط لها، والثّبتِ فيها، وإنه لَيَجبُ علينا أن نحمِلَ روايةَ مَنْ هذه سبيلُه على ما ينفي عنها التضادَّ ما وجدْنا إلى ذلك سبيلًا".
(٢) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجُمَحي، أبو محمد المصري، يُنسب إلى جدِّه، وهو ثقة ثبتٌ فقيهٌ.
(٣) والحُبْوة: الثّوب الذي يُجتَبى به، وجمعُها: حُبًى. (تهذيب اللغة للأزهري ٥/ ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>