للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العُلماءُ على أنّ على الغالِّ أن يرُدَّ ما غَلَّ إلى صاحبِ المقاسمِ إنْ وَجَدَ السبيلَ إلى ذلك، وأنه إذا فعَل ذلك، فهي توبةٌ له، وخروجٌ عن ذنبِه.

واختلفُوا فيما يَفعلُ بما غلَّ إذا افترَقَ أهلُ العَسْكَر، ولم يصِلْ إليهم؛ فقال جماعةٌ من أهلِ العلم: يدفعُ إلى الإمام خُمُسَهُ، ويتصدَّقُ بالباقي؛ هذا مذهبُ الزهريِّ، ومالكٍ، والأوزاعيِّ، واللَّيث، والثَّوريِّ. ورُوِيَ ذلك عن عُبادةَ بن الصَّامتِ، ومعاويةَ بن أبي سفيانَ، والحسَنِ البصريّ، وهو يُشبِهُ مذهب ابن مسعودٍ، وابن عباسٍ، لأنّهما كانا يَرَيان أن يُتصدَّقَ بالمالِ الذي لا يُعْرَفُ صاحِبُه (١).

وذكَر بعضُ الناس عن الشَّافعيِّ أنّه كان لا يَرَى الصدقةَ بالمالِ الذي لا يُعرَفُ صاحِبُه، وقال: كيف يتصدَّقُ بمالِ غيرِه! وهذا عندي معناه فيما يُمكنُ وجودُ صاحبِه، والوصولُ إليه، أو إلى وَرَثَتِه، وأما إنْ لم يُمكن شَيْءٌ من ذلك، فإن الشَّافعيَّ رحِمَهُ الله لا يَكْرَهُ الصدقةَ به حينَئذٍ إنْ شاءَ اللهُ.

ذكَر سُنيدٌ (٢): حدَّثنا أبو فَضالةَ (٣)، عن أزهرَ بن عبد الله، قال: غَزَا مالكُ بن عبد الله الخَثْعَميُّ أرضَ الروم، فغَلَّ رجلٌ مئة دينارٍ، فأتى بها معاويةَ بن أبي سفيانَ، فأَبَى أنْ يقْبَلَها، وقال: قد نفَرَ الجيشُ وتفرَّقَ. فخرَجَ فلَقِيَ عُبادةَ بنَ الصامت، فذكَر ذلك له، فقال: ارجِعْ إليه، فقُل له: خُذْ خُمُسَها أنت. ثم تصدَّقْ أنت بالبقيَّةِ، فإنّ اللهَ عالمٌ بهم جميعًا. فأتَى معاويةَ، فأخبرَه، فقال: لأن كنتُ أنا أفتيتُك بهذا، كان أحبَّ إليَّ من كذا وكذا (٤).

وقد أجمَعُوا في اللُّقَطَةِ على جوازِ الصدقةِ بها بعدَ التعريفِ وانْقطاع صاحبِها، وجعلُوه إذا جاءَ مُخيَّرًا بينَ الأجرِ والضَّمانِ، وكذلك الغصُوبُ، وبالله التوفيقُ.


(١) ينظر المغني لابن قدامة ١٣/ ١٧١ - ١٧٢، وتفسير القرطبي ٤/ ٢٦١.
(٢) سنيد بن داود المصيصي، وهو ضعيف.
(٣) هو الفرج بن فضالة بن النعمان التنوخي، وهو ضعيف أيضًا (تهذيب الكمال ٢٣/ ١٥٦).
(٤) إسنادها ضعيف لضعف سنيد وشيخه أبي فضالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>