وغيرُ المحرم، إذ بَصُرْتُ بأصحابي يَتراءَون شيئًا، فنظَرْت فإذا أنا بحمارِ وَحْش، فأسرَجْتُ فرَسي، وأخَذْتُ رُمْحي، وركِبْتُ فرَسي، فسقَط سَوْطي، فقلت لأصحابي: ناوِلُوني -وكانوا مُحرمين- فقالوا: لا واللَّه، لا نُعينُك عليه بشيء. فتناوَلْتُ سَوْطي، ثم أتيْتُ الحمارَ من خلفِه، وهو وراءَ أكَمَةٍ، فطعَنْتُه برُمْحي فعقَرْتُه، فأتيتُ به أصحابي، فقال بعضُهم: كُلُوه. وقال بعضُهم: لا تأكلوه. قال: وكان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمامَنا، فحرَّكْتُ فرَسي، فأدرَكْتُه فسألتُه فقال:"هو حلالٌ فكُلُوه".
قال أبو عُمر: يقال: إنَّ أبا قتادةَ كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وجَّهه على طريق البحرِ مخافةَ العدوِّ، فلذلك لم يكنْ مُحرِمًا إذِ اجتمع مع أصحابه؛ لأنَّ مخرَجَهم لم يكن واحدًا، وكان ذلك عامَ الحُديبية أو بعدَه بعام عامَ القَضِيّة، وكان اصطيادُ أبي قتادةَ الحمارَ لنفسِه لا لأصحابه، واللَّه أعلم.
وفي حديثِ أبي قتادةَ هذا دليلٌ على أنَّ لحمَ الصيد حلالٌ أكلُه للمحرم، إذا لم يَصِدْه وصادَهُ الحلالُ، وفي ذلك أيضًا (١) دليلٌ على أنَّ قوله عزَّ وجلَّ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[المائدة: ٩٦]. معناه الاصطيادُ وقتلُ الصيدِ واكلُه لمن صادَه، وأما مَن لم يَصِدْه، فليس ممن عُني بالآية، واللَّه أعلمُ، وتكونُ هذه الآية على هذا التأويل مثل قوله عزَّ وجلَّ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[المائدة: ٩٥]. سواءً؛ لأنّ هذه الآيةَ إنما نُهِيَ فيها عن قتل الصيدِ واصْطِيادِه لا غيرُ، وهذا بابٌ اختلَف فيه السلفُ والخلفُ؛ فكان عطاءٌ، ومجاهدٌ، وسعيدُ بنُ جبير، يَرَوْن للمُحرم أكْلَ كلِّ ما صادَه الحلالُ من الصيدِ ممّا يَحِلُّ للحلال أكلُه. وبه قال أبو حنيفةَ وأصحابُه. وهو قولُ عمرَ بن الخطاب، وعثمانَ بن عفان،