للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: وفي حديثِ عائشةَ من روايةِ ابنِ شهاب ما يَخصُّ الثيابَ ويُعيِّنُها، وهو يُعارضُ حديثَ سهلِ بنِ حُنيفٍ وأبي طلحة، إلّا أنّا قد رَوَيْنا عن عائشةَ أنَّ ذلك من الثياب فيما يُنصَبُ دونَ ما يُبسَطُ، فبان بذلك وجهُ الحديثَين، وأنهما غيرُ متعارِضَين، وعائشةُ قد عَلِمتَ مخرجَ حديثها، ووقَفْتَ عليه.

وذكَروا من الأثرِ ما رواه وكيعٌ وغيره، عن أسامةَ بنِ زيد، عن عبدِ الرحمن بنِ القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ستَرتُ سهوةً (١) لي بسترِ فيه تَصاوير، فلما قدِم النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هتَكَه، فجعَلتُ منه مِنْبذَتَين (٢)، فرأيتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- متَّكِئًا على إحداهما (٣).

قالوا: ألا تَرى أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كرِه من ذلك ما كان سِترًا منصوبًا، ولم يَكره ما اتَّكأ عليه من ذلك وامتَهَنه؟

قال أبو عُمر: وقد يَحتملُ أن يكونَ السِّترُ لمّا هتَكَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تغَيَّرَت صُوَرُه وتهتَّكَت، فلما صُنِع منه ما يُتَّكأُ عليه لم تَظهَرْ فيه صورةٌ بتمامها، وإذا احتُمِل هذا لم يكنْ في حديثِ عائشةَ هذا حُجَّةٌ على ابنِ شهابٍ ومَن ذهَب مذهبَه، إلّا أنَّ من سَلَفِ العلماءِ جماعةً ذهَبوا إلى أنَّ ما كان من رَقْم الصُّوَرِ فيما يُوطَأُ ويُمتَهَنُ ويُتَّكاُ عليه من الثيابِ لا بأسَ به.

ذكَر ابنُ أبي شيبة (٤)، عن حفصِ بنِ غِياث، عن الجَعْد، رجلٍ من أهلِ


(١) السَّهوة: بَيتٌ صغير منحدر في الأرض، وسَمْكُه مرتفعٌ من الأرض شبيةٌ بالخزانة الصغيرة يكون فيه المتاع. (الصحاح للجوهري ٦/ ٢٣٨٦).
(٢) المنبذَة: الوسادة. سُمِّيت بها؛ لأنها تُنبَذُ، أي: تُطرح. (النهاية في غريب الحديث ٥/ ٦).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنَّفه (٢٥٧٩٤) عن وكيع بن الجرّاح، به. ومن طريقه ابن ماجة (٣٦٥٣)، وأخرجه مسلم (٢١٠٧) (٩٢) من طريق سفيان بن عُيينة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصِّديق، به.
(٤) في مصنَّفه (٢٥٧٩٥). حفص بن غِياث: هو ابن طلْق النخعيّ، والجعد: مجهول، وابنه سعد: هي عائشة بنت سعد بن أبي وقاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>