للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي أمرِه بغَسلِ الفرج من المذي وغَسلِ ما مسَّه منه دليلٌ على أنَّ ذلك لا يجوزُ فيه الاستنجاءُ بالأحجارِ كما يجوزُ في البولِ والغائط؛ لأنَّ الآثارَ كلَّها على اختلافِ ألفاظِها وأسانيدِها ليسَ في شيءٍ منها ذكرُ استنجاءٍ بأحجار، فاستدلَّ بهذا مَن قال: إنَّ الاستنجاءَ بالأحجارِ لا يكونُ إلا في المعتادِ عندَ الغائط -وهو الرَّجِيعُ- والبولُ. وهو استدلالٌ صحيحٌ، واللَّهُ الموفقُ للصواب، فعلى هذا مَن خرَج من أحدِ مخرَجَيه دمٌ أو وَديٌ لم يُجزِئْه إلا الماء، واللَّهُ أعلم.

وأما إيجابُ الوضوءِ من المذي، فبالسُّنة المُجْتَمَع عليها، على ما ذكَرنا من حديثِ هذا الباب. وأما معنى غَسلِ الذكرِ من المَذي، فإنه يريدُ غَسلَ مخرجِه وما مسَّ الأذَى منه، وهذا الأصحُّ عندي في النَّظر، واللَّهُ أعلم.

وقد قالت طائفةٌ من أصحابنا وغيرهم (١) بوجوبِ غَسلِ الذكَرِ كلِّه من المَذي على ظاهرِ الخبرِ في ذلك اتِّباعًا، وجعَلوا ذلك من بابِ التعبد، وذهب غيرُهم إلى أنَّ قولَه في المَذي: "يَغْسِلُ ذكَرَه ويتوضأُ وضوءَه للصلاة". يحتملُ أن يكونَ أراد: يغسلُ ما مسَّ الأذَى منه. وقالوا: ألا ترَى أنَّ أحدًا لا يقتصرُ على غَسلِ الذكَرِ وحدَه إذا كان المَذيُ قد مسَّ موضعًا من الجسدِ غيرَه؟ فلا بدَّ من غَسلِ كلِّ ما مسَّ المَذيُ منه. وفي هذا ما يُستدلُّ به على أنَّ المرادَ غَسلُ ما مسَّ المَذيُ من الذَكر، واللَّهُ أعلم.

ذكَر عبدُ الرزاق (٢)، عن الثوريِّ، عن منصور، عن مجاهد، عن ابنِ عباس في المَذْي والوَدي والمَنيِّ؛ قال: في المنيِّ الغُسلُ، ومن المَذي والوَدي الوضوءُ؛ يغسِلُ حَشَفتَه ويتوضأ.


(١) ينظر: الرّسالة للقيرواني ١/ ١٠، والذخيرة له ١/ ٢٠٧.
(٢) في مصنَّفه ١/ ١٥٩ (٦١٠). إسناده صحيح، الثوري: هو سفيان، ومنصور: هو ابن المعتمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>