للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمّا قولُه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إذ ذكَر رمضانَ: "لا تصوموا حتى تروا الهلالَ"، فالصّيامُ لاسمِه معنيان: أحدُهما لُغويٌّ، والآخرُ شرعيٌّ تعبَّدَ الله به عبادَه. فأمَّا معنَى الصيامِ في اللُّغة، فمعناه الإمساكُ عمّا كان يصنعُه الإنسانُ من حركةٍ، أو كلام، أو أكل، أو شُرب، أو مشي، ونحو ذلك من سائر الحركات، فإذا أمسَكَ عمَّا كان يصنَعُه سُمِّي صائمًا في اللغة، وليس ذلك معنى الصِّيامِ المأمورِ به المسلمون في القرآنِ والسُّنَّة. والدَّليلُ على أنَّ الإمساكَ يُسمَّى صومًا قولُ الله عزَّ وجلَّ حاكيًا عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: ٢٦]، أي: إمساكًا عن الكلام. وقال المفسِّرونَ: أي: صمتًا. وتقولُ العربُ: خيلٌ صائمةٌ: إذا كانت واقفةً دونَ أكلٍ ولا رعي. قال النابغةُ (١):

خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ ... تحت العَجَاج وخيلٌ تعلُكُ اللَّجُما

يقولُ: خيلٌ مُمسكةٌ عن الأكل، وخيلٌ آكلةٌ. وقال امرُؤُ القيس (٢):

فدعْها وسلِّ الهَمَّ عنك بجسرةٍ ... ذَمولٍ إذا صامَ النهارُ وهجَّرا (٣)

ومعناه: إذا أمسكَتِ الشمسُ عن الجري، واستوَتْ في كبدِ السَّماءِ.


= وأخرجه الشافعي في السنن المأثورة (٣٤١)، ومن طريقه الطحاوي في مشكل الآثار (٣٧٦٤)، والحميدي (٥١٣)، والدارمي (١٦٨٦)، والنسائي في المجتبى ٤/ ١٣٥ وفي الكبرى (٢٤٤٦)، من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، به.
وأخرجه عبد الرزاق (٧٣٠٢)، ومن طريقه أحمد ٥/ ٤٣١ (٣٤٧٤)، وابن الجارود (٣٧٥) عن ابن جريج عن عمرو بن دينار، به.
(١) قوله: "قال النابغة" استدركها ناسخ الأصل في الحاشية، والبيت في الكامل للمبرد ٣/ ٦٧ وغيره.
(٢) ديوانه، ص ٦٣.
(٣) في م: "وسجرا" بالسين المهملة، ولا تبعد في المعنى والقصد، ولكن الأصوب ما أثبتناه من الأصل، وهو الذي في الديوان وكامل المبرد ٣/ ٦٧ وسواهما من كتب الأدب.

<<  <  ج: ص:  >  >>