للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: اختلَف العلماءُ في معنى قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: ٩].

فقال منهم قائلون: ذلك في الدُّنيا وأحكامِها؛ نحوَ الاختبارِ بالجهاد، والفرائضِ من الحدودِ والقِصاص، وغيرِ ذلك. وقالوا: لا يجوزُ غيرُ هذا التأويل؛ لأن اللَّهَ قد أعلَم ما يَفعلُ به وبالمؤمنين وما يَفعلُ بالمشركين بقوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: ١٣ - ١٤]. وقولِه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: ٧٢]. وقولِه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨، ١١٦]. وقولِه: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ} [الأنعام: ٥٧].

وروَى وكيعٌ، عن أبي بكر الهُذَليُّ، عن الحسن -في قولِه: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} - قال: في الدُّنيا (١).

وقال آخرون: بل ذلك على وجهِه في أمرِ الدُّنيا وفي ذنوبه وما يُختَمُ له من عملِه، حتى نزلت: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢] ففَرح رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: "هي أحبُّ إليّ ممّا طَلَعتْ عليه الشَّمسُ". وهذا معنى تفسير قتادةَ والضّحاكِ والكلبيِّ.

وروَى مثلَه يزيدُ بنُ إبراهيمَ التُّستَريُّ، عن الحَسن (٢).


(١) أخرجه أبو جعفر النَّحاس في النّاسخ والمنسوخ، ص ٦٦٥. من طريق يوسف بن موسى القطان، عن وكيع بن الجراح الرؤاسي، به. أبو بكر الهذلي: هو البصري، والحسن: هو البصري.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره ٢٢/ ٩٩ من طريق سُنيد بن داود المِصِّيصي، عن يزيد بن إبراهيم التستريّ، عن الحسن البصري.

<<  <  ج: ص:  >  >>