للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا انه قد جاءت في مكّة آثارٌ كثيرةٌ تدُلُّ على فضلِها، وقد اختلَف العلماءُ قديمًا وحديثًا في الأفضل منهما، وقد بيَّنا الصّحيحَ من ذلك عندَنا في بابِ خُبَيبِ بنِ عبدِ الرحمن من كتابِنا هذا (١)، وقد ثبَت عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "بُنيَ الإسلامُ على خَمْس"، فذكَر منها حجَّ البيتِ الحرام، وجعَل الإلحادَ فيه من الكبائر، وجعله قِبلةَ الأحياءِ والأموات، ورضِيَ عن عبادِه فحطَّ أوزارَهم بقصْدِ القاصدِ له مرةً من دهْرِه، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-وهو بالحَزْوَرَةِ: "واللَّه إنّي لَأعلَمُ أنكِ خيرُ أرضِ اللَّه وأحبُّها إلى اللَّه، ولولا أنَّ أهلَكِ أخرَجوني منكِ ما خرَجتُ". وقد مضَى من هذا المعنى ما يكفي في بابِ خُبَيبٍ (٢) وباب زيدِ بنِ رباح (٣)، وباللَّه التوفيق.

وفي قولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ حرَّم مكَّةَ يومَ خلَق السّماوات والأرض" (٤)، وقولِه: "إن اللَّهَ حرَّم مكةَ ولم يحرِّمْها الناسُ" (٥) دليلٌ على فضلِها على سائرِ ما حرَّمه الناسُ، وأنَّ دعاءَ إبراهيمَ لمكّةَ كان كما قال عزَّ وجلَّ عنه: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} الآية [البقرة: ١٢٦]. ولو كان الدعاءُ بالبركةِ في صاعِ المدينةِ ومُدِّها يدُلُّ على فضلِها على مكة، لكان كذلك دعاءُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالبركةِ في الشام واليمن تفضيلًا منه لهما على مكّة، وهذا لا يقولُه أحدٌ، وأمّا دعاءُ


(١) في أثناء شرح الحديث الثاني له عن حفص بن عاصم، وقد سلف في موضعه.
(٢) سلف بإسناد المصنِّف مع تخريجه في أثناء شرح الحديث الثاني لأبي سهيل عمِّ مالك بن أنس عن أبيه، وفي مواضع عديدة.
(٣) سلف ذلك في أثناء شرح الحديث الثاني لخُبيب بن عبد الرحمن، وفي أثناء شرح حديث زيد بن رباح وعُبيد اللَّه بن أبي عبد اللَّه بن الأغرّ عن أبي عبد اللَّه الأغرّ.
(٤) سلف بتمام لفظه مع تخريجه في أثناء شرح الحديث الرابع لمحمد بن شهاب الزُّهري عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه.
(٥) سلف بتمام لفظه مع تخريجه في أثناء شرح حديث عمرو بن أبي عمرو مولى المطّلب عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>