للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعطِفُ عليه، وحتى يقومَ السائلُ يسألُ فيما بين الجمُعتين فلا يوضعَ في يدِه شيءٌ، فبينما الناسُ كذلك إذ خارت الأرضُ خورةً مثلَ خُوارِ البقرة، يحسَبُ كلُّ قوم أنها خارت من ساحتِهم، ثم يكونُ رجوع، ثم تخورُ الثانيةَ بأفلاذِ كبِدها. قيل: وما أفلاذُ كبدِها؟ قال: أمثالُ هذه السواري من الذهبِ والفضة، فمن يومئذٍ لا ينفَعُ الذهبُ والفضةُ إلى يوم القيامة، حتى لا يجِدَ الرجلُ مَن يقبَلُ منه مالَه صدقة (١).

قال أبو عُمر: الظاهرُ في حديثِ سهيل هذا في قوله: "ويرضَى لكم أن تعتصِموا بحبل اللَّه جميعًا" أنه أراد الجماعة، واللَّهُ أعلمُ، وهو أشبَهُ بسياقةِ الحديث. وأما كتابُ اللَّه، فقد أمَر اللَّهُ عزَّ وجلَّ بالتمسكِ والاعتصام به في غيرِ ما آيةٍ وغيرِ ما حديث، غيرَ أنَّ هذا الحديثَ المرادُ به، واللَّهُ أعلم، الجماعةُ على إمام يُسمَعُ له ويُطاعُ، فيكونُ وليَّ مَن لا وليَّ له في النكاح وتقديم القضاةِ للعقدِ على الأيتام وسائرِ الأحكام، ويقيمُ الأعيادَ والجمُعات، وتأمَنُ به السُّبُل، وينتصِفُ به المظلوم، ويجاهدُ عن الأمّةِ عدوَّها، ويقسِمُ بينَها فَيْئَها؛ لأنّ الاختلافَ والفُرقةَ هلَكة، والجماعةَ نجاةٌ.

قال ابنُ المبارَك رحمه اللَّه:

إنّ الجماعةَ حبلُ اللَّه فاعتصِموا ... منه بعُروتِه الوُثقى لِمَن دانا

كم يَدْفعُ اللَّهُ بالسُّلطانِ مَظلِمَةً ... في دينِنا رحمةً منه ودُنْيانا

لولا الخلافةُ لم تأمَنْ لنا سبلٌ ... وكان أضعفُنا نَهْبًا لأقوانا (٢)


(١) أخرجه الطبراني في الكبير ٩/ ١٩٨ (٨٩٧١) من طريق حمّاد بن زيد، به. وأخرجه ٩/ ١٩٨ (٨٩٧٢)، والأجُرِّي في الشريعة (١٧)، والمستغفري في دلائل النبوّة (١٦٣) من طرق عن مجالد بن سعيد، به. وإسناده ضعيف لضعف مجالد: وهو ابن سعيد الهمداني، وباقي رجال إسناده ثقات.
(٢) أورد بعض هذه الأبيات ابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٢/ ٤٥١، والضياء المقدسي في النهي عن سبِّ الأصحاب، ص ١٢١، وذكرها جميعًا المصنّف في بهجة المجالس ١/ ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>