للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحديث أن التقرُّبَ إلى اللَّه عزَّ وجلَّ بالإبل أفضلُ من التقرُّب إليه بالبقر، ثم بالغنم، على ما في هذا الحديث.

وقد أجمعوا على أنّ أفضلَ الهدايا: الإبِلُ، واختلفوا في الضحايا، فكان ما أجمعوا عليه في الهدي قاضيًا على ما اختلفوا فيه في الأضاحي؛ لأنه قُربانٌ كلُّه، وقد أجمعوا على أنَّه ما استيسَر من الهدي: شاةٌ، فدلَّ على نُقصان ذلك عن مرتبة غيره. وقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفضلُ الرِّقاب أغلاها ثمنًا، وأنفسُها عندَ أهلها" (١)، ومعلومٌ أنَّ الإبلَ أكثرُ ثمنًا من الغنم، فوجَب أن تكونَ أفضل؛ استدلالًا بهذا الحديث.

وأمّا الذِّبح العظيمُ الذي فُدِي به الذبيح، فجائزٌ أن يُطلَقَ عليه عظيم؛ لما ذكَر ابنُ عبَّاس أنَّه كبشٌ رعَى في الجنة أربعينَ خريفًا، وأنه الذي قرَّبه ابنُ آدمَ فتُقُبِّل منه ورُفِع إلى الجنة (٢).

قال أبو عُمر: لو لم يكنْ فضْلُ الكَبْش إلا أنَّه أولُ قُرْبان تُقرب به إلى اللَّه في الدُّنيا فتقبَّله، وأنه فُدي به نبىٌّ كريم من الذَّبح، قال اللَّه فيه: {بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.

ذكَر عبدُ الرزاق (٣)، عن مَعْمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمّد بن عبد الرحمن بن ثَوْبان، قال: مرَّ النُّعمانُ بنُ أبي قُطْبة على النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بكَبْشٍ أعينَ، فقال النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أشبهَ هذا الكَبْشَ بالكَبش الذي ذبحَه إبراهيمُ"، فاشترى معاذُ بن عفراءَ كبشًا أقرنَ أعين، وأهداهُ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فضحَّى به.


(١) أخرجه مالك في الموطّأ ٢/ ٣٣٣ (٢٢٦٣) وهو الحديث الثاني والعشرون لهشام بن عروة، وسلف الكلام عليه في موضعه.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره ٢١/ ٩٠، وابن أبي حاتم في تفسيره كما في تفسير ابن كثير ٧/ ٢٧ من طريقين عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس، وقال ابن كثير: إسناده جيد.
وأورده السيوطي في الدُّر المنثور ٧/ ١١٣ وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.
(٣) في مصنَّفه ٤/ ٣٧٩ (٨١٣١).
إسناده صحيح، معمر: هو ابن راشد، ويحيى بن أبي كثير: هو الطائي، ومحمد بن عبد الرّحمن بن ثوبان: هو القرشي العامري.

<<  <  ج: ص:  >  >>