للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يختلفِ الرُّواةُ عن مالك في إسنادِ هذا الحديث ومَتْنِه (١)، إلا أن أكثرَ الرواةِ عن مالك يقولون فيه: "مَن حلَف على مِنْبري هذا بيمين آثمة". كذا قال ابنُ بُكَير (٢)، وابنُ القاسم (٣)، والقَعْنَبيُّ (٤)، وغيرُهم (٥). وقال يحيى: "مَن حلَف على مِنْبري آثمًا". والمعنى واحدٌ، وفيه اشتراطُ الإثم، فالوعيدُ لا يقعُ إلا مع تعمُّدِ الإثم في اليمين، واقتطاع حقِّ المُسلم بها، وهذا المعنى موجودٌ في هذا الحديث، وفي حديثِ العلاء، على ما مَضَى في بابه من هذا الكتاب (٦).

ومذهبُنا في الوعيدِ أنه غيرُ نافذٍ في هذا وفي كلِّ ما أوعَد اللَّهُ أهلَ الإيمان عليه النارَ والعذاب، فإنّ اللَّهَ بالخيار في عَبْدِه المُذنِب؛ إن شاءَ أن يغفِرَ له غَفَرَ له، وإن شاء أن يُعذِّبَه عذَّبه؛ لقولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨، ١١٦]. والتوبةُ تَمحُو السيِّئات كلَّها، كُفْرًا كانت أو غيرَ ذلك؛ قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨]. إلا أنَّ حُقوق الآدميِّين لا بدَّ فيها بين


(١) رواه عن مالك: أبو مصعب الزُّهريُّ (٢٩٢٨)، وسويد بن سعيد (٢٨٨)، وعبد الرحمن بن القاسم (٤٨٤)، وعبد اللَّه بن وهب في الموطأ/ كتاب القضاة والبيوع (١٩٢)، والشافعيُّ في الأم ٧/ ٣٧ - ٣٨، وإسحاق بن عيسى الطبّاع عند أحمد في المسند ٢٣/ ٥٤ (١٤٧٠٦)، وعبد اللَّه بن مسلمة القعنبي عند الجوهري في مسند الموطأ (٧٣٦)، وعبد اللَّه بن وهب عند الحاكم في المستدرك ٤/ ٢٩٦ - ٢٩٧، ويحيى بن بكير عند البيهقي في الكبرى ٧/ ٣٩٨ (١٥٧٠١).
(٢) ومن طريقه أخرجه البيهقي في الكبرى ٧/ ٣٩٨ (١٥٧٠١).
(٣) في موطئه (٤٨٤)، ومن طريقه أخرجه النسائي في الكبرى ٥/ ٤٣٧ (٥٩٧٣).
(٤) ومن طريقه أخرجه الجوهري في مسند الموطأ (٧٣٦).
(٥) كأبي مصعب الزهري وسويد بن سعيد وعبد اللَّه بن وهب والشافعيِّ، وقد سلف تخريج رواياتهم قريبًا.
(٦) سلف في الحديث التاسع للعلاء بن عبد الرحمن عن معبد بن كعب بن مالك، وهو في الموطأ ٢/ ٢٧٠ (٢١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>