للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي هذه الآثار دليلٌ على أن اليمينَ تكونُ على المنبر لا في مجلس الحُكْم، واختلَف الفقهاءُ في اليمين على المنبر، وفي مِقْدارِ ما يُحلَفُ عليه عندَ المنبر، على حَسَبِ ما قدَّمنا، ونَزيدُ ذلك بيانًا، فنقول: مذهبُ مالكٍ وأصحابِهِ ألا يُحلَفَ على المنبرِ في مسجدٍ من المساجد الجوامع، إلا على منبر النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة، وأما ما عَداها فيَحلِفُ في الجامع، ويَحلِفُ قائمًا، ولا يُحْلَفُ على منبر رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا في المسجدِ الجامع بغيرِه من البُلْدان، إلا في ثلاثة دراهم فصاعدًا، ولا يُحلَفُ في القَسامةِ والدِّماءِ والحقوقِ التي تكونُ بين الناس، إلا في المسجدِ الجامع دونَ المنبر من ذلك المِصْر، إلا بالمدينة، فإنه يَحلِفَ في القَسامةِ واللِّعانِ على منبر النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي ثلاثة دراهمَ فصاعدًا (١).

وقال الشافعيُّ (٢): مَن ادَّعى مالًا، أو ادُّعِي عليه، فوجَبَت اليمينُ في ذلك، نُظِر، فإن كان عشرينَ دينارًا فصاعدًا، فإن كان بالمدينةِ حلَف على منبر النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن كان بمكةَ حلَف بين الرُّكنِ والمقام، إذا كان ما يَدَّعيه المُدَّعي عشرينَ دينارًا فصاعدًا. قال: ويَحلِفُ في ذلك على الطلاق، والحدودِ كلِّها، وجراحِ العَمْد، صَغُرَتْ أو كَبُرتْ، وجراح الخطأ، إن بلَغ أرْشُها عشرينَ دينارًا. قال: ولو أخطأ الحاكمُ في رجل عليه اليمينُ على منبر النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو بين الركنِ والمقام، فأحلَفه في مكانٍ آخرَ بمكةَ أو بالمدينة، ففيها قولان:

أحدُهما: ألّا تُعادَ عليه اليمين.

والآخر: أن تُعادَ عليه. واختارَ كثيرٌ من أصحابه ألّا تُعادَ عليه.

قال الشافعيُّ (٣): وإن كان ذلك في بيتِ المَقْدس، أحلَفْناه في مواضع


(١) المدوّنة ٤/ ٥، ٥٥.
(٢) في الأمّ ٧/ ٣٥ - ٣٦، وينظر: مختصر المزنيّ ٨/ ٤١٧.
(٣) في الأم ٦/ ٢٧٨ و ٧/ ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>